للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاعل لفاعله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، كما رأيت، والجملة الشرطية المقدرة معطوفة بواو محذوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا. {بِسُلْطانٍ:} متعلقان بما قبلهما. {مُبِينٍ:} صفة (سلطان).

{أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢)}

الشرح: {أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ:} فيه توبيخ، وتسفيه لأحلامهم. والمعنى: أتنسبون إلى الله البنات، مع أنفتكم منهن، فهو كقوله تعالى في سورة (النحل) رقم [٦٢]: {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ} وانظر سورة (النجم) رقم [٢١]. ومن كان هذا عقله وشأنه فلا يستبعد منه إنكار الإعادة بعد الموت. هذا؛ وفي سورة (الصافات) رقم [١٤٩] قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}. قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أولا، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى؛ التي قسموها حيث جعلوا لله الإناث، ولأنفسهم الذكور في قولهم: الملائكة بنات الله مع كراهتهم الشديدة لهن، ووأدهن، واستنكافهم من ذكرهن.

ولقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أنواع من الكفر: أحدها: التجسيم؛ لأن الولادة مختصة بالأجسام. والثاني: تفضيل أنفسهم على ربهم حيث جعلوا أوضع الجنسين له، وأرفعها لهم، كما قال تعالى في سورة (الزخرف) [١٧ - ١٨]: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ}. والثالث: أنهم استهانوا بأكرم خلق الله عليه، وأقربهم إليه؛ حيث أنثوهم، ولو قيل لأدناهم، وأقلهم: فيك أنوثة، أو شكلك شكل النساء؛ للبس لقائله جلد النمر، ولا نقلبت حماليقه، وذلك في أهاجيهم بيّن مكشوف، فكرر الله سبحانه الأنواع في كتابه مرات، ودل على فظاعتها في آيات كثيرة.

انتهى. هذا؛ والذين زعموا: أن الملائكة بنات الله هم قبيلة جهينة، وخزاعة، وبنو مليح، وبنو سلمة، وبنو عبد الدار.

{أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً} أي: جعلا، وجائزة على ما جئتهم به من النبوة، ودعوتهم إليه من الدين، أو على التبليغ والإنذار. وهو استفهام إنكاري على معنى نفي الحصول من أصله. {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} يعني: أثقلهم ذلك المغرم الذي سألتهم، فمنعهم من الإيمان، والمغرم: أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه. والمعنى: ألزمهم مغرم ثقيل فدحهم، فزهدهم ذلك في اتباعك. {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ} أي: علم الغيب، وهو ما غاب عنهم حتى علموا: أن ما يخبرهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>