للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧)}

الشرح: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ} أي: الذي ثبت بالحجة عندهم، وتمكن من قلوبهم. {فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:} فلا يزلون إذا افتتنوا في دينهم كزكريا، ويحيى، وجرجيس، وشمعون، والذين فتنهم أصحاب الأخدود، وكالسحرة الذين صلبهم فرعون، ويلحق بهم من أوذوا، أو فتنوا من المسلمين، وعذبوا في الله كعمار بن ياسر، وأبيه، وبلال، وصهيب وغيرهم. {وَفِي الْآخِرَةِ} أي: في القبر حين يسألهم الملكان عن ربهم، ودينهم، ونبيهم، فيجيبون بالصواب. {وَيُضِلُّ اللهُ الظّالِمِينَ} أي: الكفار، فلا يهتدون للجواب بالصواب، بل يقولون: لا ندري. {وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ:} يعني من التوفيق، والخذلان، والهداية، والإضلال، والتثبيت، وعدمه، لا اعتراض عليه في جميع أفعاله، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٧] من سورة (الرعد)، وانظر ما ذكرته من التعبير عن الكافرين بالظالمين ونحوه في الآية رقم [١٣].

تنبيه: كثير من المفسرين يقولون: إن المراد بقوله تعالى: {فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} سؤال القبر، والمراد بقوله: {وَفِي الْآخِرَةِ} يوم القيامة عند البعث والحساب، وأرى أن التفسير الأول أولى الأمور؛ الأول: أن معنى الحياة لا يكون لمن دفن تحت الأرض وفارق الدنيا. الثاني: أن كل من خرجت روحه من جسده قد انتقل من دار إلى دار، ومن حال إلى حال، والدار الثانية غير الأولى، والحال الثانية غير الأولى، وهو واضح بداهة. الثالث: قد ورد أن كل من مات فقد قامت قيامته، وانقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو غير ذلك. الرابع: لم يثبت أن ابن آدم يسأل بعد البعث والحشر من ربك ومن نبيك... إلخ، والذي ثبت أنه يسأل في القبر بعد الدفن، والأحاديث الشريفة كثيرة في هذا المعنى، وهي كلها مشفوعة بالآية الكريمة التي الكلام فيها أكتفي بما يلي:

عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد إذا وضع في قبره، وتولّى عنه أصحابه، وإنّه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا عنه، أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له:

ما كنت تقول في هذا الرّجل محمّد؟ فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله، فيقال له:

انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فيراهما جميعا، وأمّا الكافر، أو المنافق، فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثمّ يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلاّ الثّقلين».

رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>