للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفصيل الآيات وإحكامها معنى القول، وعليه ف‍ (لا) ناهية، والفعل مجزوم بها، والجملة الفعلية مفسرة للإحكام والتفصيل لا محل لها عند الجمهور، وقال الشلوبين: بحسب ما تفسره، وهو المعتبر عندي، والتفسير أظهر الأقوال عند السمين؛ لأنه لا يحوج إلى إضمار. انتهى. جمل بتصرف كبير مني. {إِنَّنِي}: حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم ضمير متصل في محل نصب اسمها. {لَكُمْ مِنْهُ}: كلاهما جار ومجرور متعلقان ب‍ {نَذِيرٌ} أو ب‍ (بشير)، أو هما متعلقان بمحذوف حال من أحدهما، كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة: «نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا». {نَذِيرٌ}: خبر (إن). {وَبَشِيرٌ}: معطوف عليه، وقدم الإنذار لأن التخويف أهم؛ إذ يحصل به الانزجار، والجملة الاسمية: {إِنَّنِي..}. إلخ في محل نصب مقول لقول محذوف، انظر تقديره في الشرح. والقول ومقوله كلام مستأنف لا محل له.

{وَأَنِ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)}

الشرح: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}: لقد اختلف في بيان الفرق بين الاستغفار والتوبة، فقيل: معناه اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم، ثم ارجعوا إليه؛ لأن الاستغفار: هو طلب الغفر، وهو الستر، والتوبة: الرجوع عما كان فيه من شرك ومعصية إلى خلاف ذلك، فلهذا قدم الاستغفار على التوبة، وقيل: معناه: استغفروا ربكم لسالف ذنوبكم، ثم توبوا إليه في المستقبل، وقيل: اطلبوا مغفرة الله بالإيمان. {ثُمَّ} توسلوا إليه بالتوبة، وأيضا التبرؤ من الغير إنما يكون بعد الإيمان بالله والرغبة فيما عنده، وقال الفرّاء: ثم هنا بمعنى الواو؛ لأن الاستغفار، والتوبة بمعنى واحد، فذكرهما للتأكيد، انتهى. خازن. وقد ذكرت لك شروط التوبة النصوح في الآية رقم [١٧] -من سورة (النساء) -. {يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً}: قال القرطبي: هذه ثمرة الاستغفار، والتوبة؛ أي: يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيش، ولا يستأصلكم بالعذاب، كما فعل بمن أهلك قبلكم. انتهى. وانظر الآية رقم [٧٠] -من سورة (يونس)، لشرح المتاع، وانظر الآية رقم [٥٢] -الآتية. {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: إلى الموت ووقت انقضاء آجالكم، وانظر إعلال (هدى) في الآية رقم [٩١] -من سورة (الأنعام) -فهو مثله. {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} أي: ويعط كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره، وثوابه في الآخرة.

قال أبو العالية: من كثرت طاعاته في الدنيا؛ زادته حسناته درجات في الآخرة؛ لأن الدرجات تكون على قدر الأعمال. انتهى. وعليه فالمراد بقوله: {فَضْلَهُ} عفوه، وغفرانه، وجنته. {وَإِنْ تَوَلَّوْا}: يحتمل أن يكونوا ماضيا بمعنى: أعرضوا، وأن يكون مضارعا حذف منه إحدى التاءين، بمعنى: تعرضوا، هذا؛ والإعراض، والتولي، والإدبار عن الشيء يكون بالجسم،

<<  <  ج: ص:  >  >>