اعتباره خبر مبتدأ محذوف، التقدير: هو سلام، واعتباره مبتدأ خبره الناصب ل: {قَوْلاً،} أي {سَلامٌ} يقال لهم {قَوْلاً}. وقيل: تقديره: سلام عليكم، واعتباره مبتدأ وخبره: {مِنْ رَبٍّ}. انتهى. جمل نقلا عن السمين، وانفرد الجلال باعتباره مبتدأ خبره: {قَوْلاً،} تقديره:
سلام بالقول، فاعتبر {قَوْلاً} منصوبا ينزع الخافض. {قَوْلاً:} مفعول مطلق فعله محذوف، التقدير: يقولونه قولا يوم القيامة، أو قال الله تعالى ذلك قولا، والجملة الفعلية مستأنفة، أو معترضة. {مِنْ رَبٍّ:} متعلقان ب: {قَوْلاً،} أو بمحذوف صفة له، أو متعلقان بمحذوف خبر سلام على وجه مر ذكره. {رَحِيمٍ:} صفة: {رَبٍّ}.
{وَاِمْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)}
الشرح: {وَامْتازُوا..}. إلخ: أي: يقال لهم: اعتزلوا، وانفردوا، وتميزوا اليوم من المؤمنين الصالحين، وكونوا على حدة. وقيل: إن لكل كافر في النار بيتا، فيدخل ذلك البيت، ويردم بابه، فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى، ولا يرى، فعلى هذا القول يمتاز بعضهم عن بعضهم. انتهى. خازن. وقال الضحاك: يمتاز المجرمون بعضهم من بعض، فيمتاز اليهود فرقة، والنصارى فرقة، والمجوس فرقة، والصابئون فرقة، وعبدة الأوثان فرقة. وقال داود بن الجراح:
يمتاز المسلمون من الكافرين؛ إلا أصحاب الأهواء، فيكونون مع المجرمين.
وقد ذكر هذا التمييز، والتفريق بين المؤمنين، والكافرين في كثير من الآيات. خذ قوله تعالى في الآية رقم [٢٨] من سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ}. وقال تعالى في الآية رقم [١٤] من سورة (الروم):
{وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}.
هذا؛ وفي المنجد الناقل عن القاموس قوله: ماز، يميز، وميّز، وأماز الشيء: فرزه عن غيره، والشيء: فضلّه عن سواه. وتميّز، وانماز انميازا، وامتاز امتيازا، واستماز استمازة:
انفصل عن غيره وانعزل. وتميّز فلان من الغيظ: تقطع، وامتاز القوم: تميّز بعضهم من بعض.
هذا؛ وقد قال الله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٧٩] {ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}. وقال عز وجل في سورة (الأنفال) رقم [٣٧]: {لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ..}. وقال تعالت حكمته في سورة (الملك) رقم [٨]: {تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ..}. إلخ.
تنبيه: المراد ب: المجرمين في هذه الآية: الكافرون، وكثيرا ما يعبر القرآن الكريم عن الكافرين بالظالمين، والمجرمين، والمعتدين، والفاسقين، والمسرفين، والكاذبين... إلخ، ويتهددهم بالعذاب الأليم، ويتوعدهم بالعقاب الشديد، وإننا نجد الكثير من المسلمين يتصفون بهذه الصفات، فهل يوجه إليهم هذا التهديد، وهذا الوعيد؟ الحق أقول: نعم يوجه إليهم ما ذكر،