له على الاعتبارين. {لَعَلَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه، وجملة:{يَهْتَدُونَ} في محل رفع خبر (لعل)، والجملة الاسمية تعليل للإتيان، لا محل لها. (جعلنا) فعل، وفاعل. {اِبْنَ:}
مفعول به أول، وهو مضاف، و {مَرْيَمَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والتأنيث المعنوي. (أمه): معطوف على (ابن)، والهاء في محل جر بالإضافة. {آيَةً:} مفعول به ثان، وجملة {وَجَعَلْنَا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {وَآوَيْناهُما:} ماض، وفاعله، ومفعوله، والميم والألف حرفان دالان على التثنية، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {إِلى رَبْوَةٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {ذاتِ:} صفة {رَبْوَةٍ،} و {ذاتِ} مضاف، و {قَرارٍ} مضاف إليه. (معين): معطوف على {قَرارٍ} وهو صفة لموصوف محذوف؛ إذ الأصل، وذات ماء معين.
الشرح:{يا أَيُّهَا الرُّسُلُ..}. إلخ: قيل: أراد بالرسل محمدا صلّى الله عليه وسلّم وحده، وقيل: أراد به عيسى عليه السّلام وحده، وقيل: أراد جميع الرسل. وخذ قول البيضاوي-رحمه الله تعالى-في ذلك، فقال: نداء، وخطاب لجميع الأنبياء، لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة واحدة؛ لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة، بل على معنى أن كلاّ منهم خوطب به في زمانه، فيدخل تحته عيسى دخولا أوليا، فيكون ابتداء كلام ذكر تنبيها على أن تهيئة أسباب التنعم لم تكن له خاصة، وأن إباحة الطيبات للأنبياء شرع قديم، واحتجاجا على الرهبانية في رفض الطيبات، أو حكاية لما ذكر لعيسى، وأمه عند إيوائهما إلى الربوة؛ ليقتديا بالرسل في تناول ما رزقا. وقيل: النداء له، ولفظ الجمع للتعظيم. والطيبات: ما يستلذ به من المباحات، وقيل: الحلال الصافي القوام، فالحلال ما لا يعصى الله فيه، والصافي ما لا ينسى الله فيه، والقوام: ما يمسك النفس، ويحفظ العقل.
انتهى. هذا؛ وانظر عدد الرسل في سورة (الحج)[٤٢].
{وَاعْمَلُوا صالِحاً} أي: استقيموا على ما يوجبه الشرع، فإنه المقصود منكم، والنافع عند ربكم. {إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} أي: فأجازيكم به. وفيه تحذير من مخالفة ما أمرهم الله به، قال الخازن-رحمه الله تعالى-: وإذا كان الرسل مع علو شأنهم كذلك؛ فلأن يكون تحذيرا لغيرهم أولى؛ لما روى أبو هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله طيّب لا يقبل إلا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:{يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً} وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} «ثمّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمدّ يده إلى السّماء: يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنّى يستجاب له؟». أخرجه مسلم.