الشرح: لما استدل على ثبوت الإله بأربع من دلائل الآفاق، وهي: الليل، والنهار، والأرض، والسماء، وبثلاث من دلائل الأنفس، وهي: التصوير، وحسن الصورة، ورزق الطيبات؛ ذكر من دلائل الأنفس كيفية تكون البدن من ابتداء كونه نطفة إلى آخر الشيخوخة، والموت، فقال:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ..}. إلخ. انتهى. جمل نقلا من زاده. وفي مختصر ابن كثير: أي: هو الذي يقلبكم في هذه الأطوار كلها وحده لا شريك له، وعن أمره، وتدبيره، وتقديره يكون ذلك كله.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ} أي: خلق أباكم آدم، أو خلق أصلكم من تراب على تقدير مضاف، وهو خلق غير مباشر، وهناك خلق مباشر؛ أي: إن كل إنسان خلق من تراب، وذلك إذا عرفنا: أنه خلق من النطفة، والنطفة منشؤها من الدم، والدم مستمد من الأغذية، والأشربة على اختلافها، وتنوعها، وكلها مستخرجة من الأرض، والتراب، وكل ذلك معلوم، ومعروف.
{ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ:} مني، من النطف، وهو الصب، وأصلها: الماء القليل، ويكون من الرجل، والمرأة، والجمع نطاف، ونطف. والنطفة: الماء الصافي قلّ، أو كثر. {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ:} قطعة من الدم جامدة، وذلك: أن النطفة تصير بعد أربعين يوما من استقرارها في الرحم دما غليظا، والعلقة دويبة سوداء تعيش في الأرض الرطبة، والجمع: علق، وفي سورة (الحج) رقم [٥]:
{مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} وخذ ما يلي:
فعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الصادق المصدوق:«أنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثمّ يبعث الله ملكا، فيكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيّ، وسعيد، ثمّ ينفخ فيه الرّوح، فو الذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة؛ حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار؛ حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها». أخرجه البخاري ومسلم.
{ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً:} وفي سورة (الحج): {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} و {طِفْلاً} بمعنى: أطفالا، والتوحيد لإرادة الجنس، أو على تأويل كل واحد منكم، وأيضا:
فإن العرب قد تسمي الجمع باسم الواحد، قال الشاعر:[الكامل]