الشرح:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ:} انظر شرح (الويل) في سورة (المرسلات). هذا؛ وقد قسم القرآن الكريم الناس بالنسبة إلى الصلاة أربعة أقسام: القسم الأول: أنكر الصلاة، وجحدها، ولم يعتقد بفرضيتها، وهم الكافرون. قال تعالى في سورة (المدثر) حكاية عن قول أصحاب اليمين في سؤالهم الكافرين: {ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} فيجيب الكافرون بقولهم {قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}. القسم الثاني: المنافقون الذين يراؤون في صلاتهم، وهو المذكورون في هذه السورة.
القسم الثالث أقوام كان آباؤهم يصلون ويحسنون الصلاة، أما هم فقد أهملوها وضيعوها. قال تعالى في سورة (مريم): {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
والقسم الرابع: هم الفائزون بالصلاة، وثوابها. قال تعالى في أول سورة (المؤمنون): {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ}.
{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ:} روى البغوي بسنده عن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون؟ قال:«إضاعة الوقت». وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هم المنافقون يتركون الصلاة؛ إذا غابوا عن الناس، ويصلون في العلانية؛ إذا حضروا معهم، لقوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ}. وقال تعالى في وصف المنافقين:{وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ}. وقيل: لا يرجون لها ثوابا؛ إن صلوا، ولا يخافون عليها عقابا؛ إن تركوا. وقيل: هم الذين إذا صلوها؛ صلوها رياء. وإن فاتتهم؛ لم يندموا عليها. وقيل: هم الذين لا يصلونها لمواقيتها، ولا يتمون لها ركوعها، ولا سجودها، ساهون عنها لا يبالون صلوا، أو لم يصلوا.
هذا؛ وقال المفسرون: لما قال تعالى: {عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ} بلفظة {عَنْ:} علم أنها في المنافقين، ولهذا قال بعض السلف: الحمد لله الذي قال: {عَنْ صَلاتِهِمْ} ولم يقل: {فِي صَلاتِهِمْ؛} لأنه لو قال {فِي صَلاتِهِمْ} لكانت في المؤمنين، والمؤمن قد يسهو في صلاته، والفرق بين السهوين واضح، فإن سهو المنافق سهو ترك، وقلة التفات إليها، فهو لا يتذكرها، ويكون مشغولا عنها، والمؤمن إذا سها في صلاته؛ تداركه في الحال، وجبره بسجود السهو. فظهر الفارق بين السهوين.
هذا؛ وقد سها الرسول صلّى الله عليه وسلّم في صلاته والصحابة كذلك حصل منهم سهو، وما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يسهو في صلاته إلا لفكرته فيما هو أعظم منها، ورحم الله من قال:[البسيط]