الشرح:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} أي: يتفهمونه، فيعلمون ما أعد الله للذين لم يتولوا عن الإسلام. أو المعنى: يتفكرون فيه، وفي مواعظه، وزواجره، وأصل التدبر: التفكر في عاقبة الشيء، وما يؤول إليه أمره. وتدبر القرآن لا يكون إلاّ مع حضور القلب، وجمع الهمّ وقت تلاوته. ويشترط فيه تقليل الغذاء من الحلال الصرف، وخلوص النية. {أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} أي: بل على قلوب أقفالها، أقفلها الله عزّ وجل عليهم، فهم لا يعقلون. وهذا يرد على القدرية، والإمامية، والمعتزلة مذهبهم، وفي حديث مرفوع: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ عليها أقفالا كأقفال الحديد حتّى يكون الله يفتحها». وقال أبو معاذ: الرّين أن يسودّ القلب من الذنوب، والطبع أن يطبع على القلب، وهو أشد من الرّين، والأقفال أشد من الطبع، وهو أن يقفل على القلب.
فإن قيل: قد أخبر الله تعالى بأنه أصمهم، وأعمى أبصارهم، فكيف يوبخهم على ترك التدبر، فهذا كقولك للأعمى: أبصر، وللأصم: اسمع؟! وقد أجيب بوجوه: الأول: أنّ التكليف بما لا يطاق جائز، وقد أمر الله من علم: أنّه لا يؤمن بالإيمان، فلذلك وبّخهم على ترك التدبر مع كونه أصمّهم، وأعمى أبصارهم، والله يفعل ما يريد.
الثاني: أنّ قوله: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ} راجع للناس، لا بقيد كونه أعماهم، وأصمّهم. الثالث:
أن يقال: إنّ هذه الاية وردت محققة لمعنى الاية المتقدمة، كأنه تعالى قال: أولئك الذين لعنهم الله؛ أي: أبعدهم عنه، أو عن الصدق، أو الخير، أو غير ذلك من الأمور الحسنة، فأصمهم لا يسمعون حقيقة الكلام، وأعماهم لا يبصرون طريقة الإسلام، فإذا هم بين أمرين: إما لا يتدبرون القرآن، فيبعدون عنه؛ لأنّ الله لعنهم وأبعدهم عن الخير، والصدق-والقرآن منهما، بل أشرف، وأعلى منهما-وإما يتدبرون، ولكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة. انتهى. جمل نقلا من الخطيب. هذا؛ وانظر شرح:{أَفَلا} في الاية رقم [٥١] من سورة (الزخرف).
هذا؛ وتدبر القرآن: التأمل في معانيه، والتبصر بما فيه، وأصل التدبر: النظر في عواقب الأمور، والتفكر في أدبارها، ثم استعمل في كل تدبر، وتأمل. والتفكر: تصرف القلب بالنظر في الدلائل. وهذا يرد قول من زعم من الروافض: أنّ القرآن لا يفهم معناه إلاّ بتفسير الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والإمام المعصوم. هذا؛ وقال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: والله ما تدبّره بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: والله لقد قرأت القرآن، فما أسقطت منه حرفا، وقد أسقطه، والله كله! ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق، ولا عمل! وقال الزمخشري في كشافه:
وتدبر الايات القرآنية: التفكر فيها، والتأمل الذي يؤدي إلى معرفة ما يدبر ظاهرها من التأويلات