للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصّائِمِينَ وَالصّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)}

الشرح: روي: أن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم قلن: يا رسول الله! ذكر الله الرجال في القرآن، ولم يذكر النساء بخير، فما فينا خير نذكر به، إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة! فأنزل الله هذه الآية.

وروي أن أم عمارة الأنصارية-رضي الله عنها-قالت: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: ما لي أرى كل شيء إلى الرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء؟! فنزلت الآية أخرجه الترمذي. وروي: أنه لما نزل في نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم الآيات السابقة قال نساء المسلمين: فما نزل فينا شيء. فنزلت الآية، وهذا أولى بالاعتبار، فذكر الله لهن عشر مراتب مع الرجال، فمدحن بها معهم.

الأولى: الإسلام، وهو: الاستسلام الظاهر لما أمر الله به، وحث عليه رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وعرف من الدين بالضرورة.

الثانية: الإيمان، وهو التصديق بما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعرف من الدين بالضرورة.

فإن قلت: لم عطف الإيمان على الإسلام؛ مع أنهما متحدان شرعا؟ فالجواب: ليسا بمتحدين مطلقا؛ بل متحدان ما صدقا لا مفهوما، أخذا من الفرق بين الإسلام، والإيمان الشرعيين؛ إذ الإسلام الشرعي هو التلفظ بالشهادتين بشرط تصديق القلب بما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم، والإيمان الشرعي عكس ذلك، ويكفي في العطف المقتضي للاختلاف اختلافهما مفهوما، وإن اتحدا ما صدقا، وفي اتحادهما يقول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

وبعبارة، أوضح: قد يوجد إسلام، ولا يوجد إيمان. ودليل هذا: أن الإسلام هو النطق بالشهادتين والانقياد الظاهري بالجوارح، وذلك يكون بأداء الصلاة، وغيرها من أعمال الإسلام، أما الإيمان فمحله القلب، وهو الاعتقاد الجازم بوجود أمور أجاب عنها الرسول صلّى الله عليه وسلّم حينما سأله جبريل الأمين-عليه السّلام-عن الإيمان، فقال: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء، والقدر: خيره، وشره من الله تعالى». ولذا رد الله دعوى أقوام الإيمان بقوله: {قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ..}. إلخ الآية رقم [١٤] من سورة (الحجرات)، ثم بين حقيقة الإيمان، وحقيقة المؤمنين الصادقين في الآية التالية لها رقم [١٥] بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ} وجملة القول: إن بينهما عموما،

<<  <  ج: ص:  >  >>