للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومالا، وهذا من سخافة عقلهم، وقصور رأيهم على الحطام الدنيوية، حتى جعلوا اتباع المقلين فيه مانعا عن اتباعهم وإيمانهم بما يدعوهم إليه دليلا على بطلانه، وأشاروا بذلك إلى أن اتباعهم ليس عن نظر، وبصيرة، وإنما هو لتوقع مال، ورفعة جاه. هذا؛ و {الْأَرْذَلُونَ} جمع الأرذل، وهو جمع مذكر سالم، وتكسيره: الأراذل، كما في قولهم في سورة (هود): {وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا}. والأنثى: الرّذلى، والجمع: الرّذل.

قال النحاس: ولا يجوز حذف الألف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه. هذا؛ وقرأ يعقوب: «(وأتباعك الأرذلون)». هذا؛ والمراد بالأراذل في نظر الكفار: فقراء الناس، وضعفاؤهم، وهذا حال الدنيا لا يتبع الأنبياء إلا الفقراء، ولا يلازم العلماء إلا هؤلاء، سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة تحويلا، ولا تنس: أن الذين آمنوا بنوح، واتبعوه هم نساؤه، وبنوه، وأحفاده، ونساؤهم باستثناء ولده كنعان، وأمه كما رأيت في سورة (هود) على نبينا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام، ومن اهتدى بهديه من الفقراء والضعفاء من غير أهل بيته كما ستعرفه في الآية رقم [١١٩] الآتية.

الإعراب: {قالُوا:} فعل ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. {أَنُؤْمِنُ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري. (نؤمن): فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره: «نحن». {لَكَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {وَاتَّبَعَكَ:} الواو: واو الحال، (اتبعك): فعل ماض، والكاف مفعول به. {الْأَرْذَلُونَ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الكاف المجرورة باللام، والرابط: الواو، والضمير، ويجب تقدير «قد» قبلها. هذا؛ وعلى قراءة يعقوب يجوز في «(أتباعك)» وجهان، اعتباره مبتدأ خبره: {الْأَرْذَلُونَ}. والجملة الاسمية في محل نصب حال من الكاف. والوجه الثاني: اعتباره معطوفا على فاعل (نؤمن) المستتر. وجاز ذلك للفصل بالجار والمجرور، ويكون: {الْأَرْذَلُونَ} صفة له، وجملة:

{أَنُؤْمِنُ..}. إلخ في محل نصب مقول القول. وجملة: {قالُوا..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣)}

الشرح: المعنى: إني لم أكلف العلم بأعمالهم، إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان، والاعتبار بالإيمان، لا بالحرف، والصنائع. وكأنهم قالوا: إنما اتبعك هؤلاء الضعفاء طمعا في العزة والمال، فقال: إني لم أقف على باطن أمرهم، وإنما إليّ ظاهرهم، وأكل سرائرهم إلى الله تعالى؛ ولذا قال: ما حسابهم إلا عليه تعالى، ولو علمتم ذلك لما لمتموني، ولما عبتم عليهم إيمانهم بالله تعالى. هذا؛ و {تَشْعُرُونَ} من الشعور، وهو إدراك الشيء من وجه يدق، ويخفى، مشتق من الشعر لدقته، وسمي الشاعر شاعرا لفطنته، ودقة معرفته.

<<  <  ج: ص:  >  >>