الإعراب:{فَإِنِ:} الفاء: حرف عطف. (إن): حرف شرط جازم. {اِنْتَهَوْا:} فعل ماض مبني على فتح مقدّر على الألف المحذوفة لالتقائها بساكنة مع واو الجماعة، وهو في محل جزم فعل الشرط، والواو فاعله، والألف للتّفريق، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَإِنِ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (إنّ): حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {غَفُورٌ رَحِيمٌ:} خبران ل (إنّ)، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط. والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحلّ محلّ المفرد، و (إنّ) ومدخولها كلام معطوف على مثله في الآية السابقة لا محل لها مثله، والاستئناف ممكن.
الشرح:{وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ:} أمر بالقتال لكلّ مشرك في كلّ موضع على قول من رآها ناسخة، ومن رآها غير ناسخة؛ قال: المعنى: قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم: {فَإِنْ قاتَلُوكُمْ}. والأول أظهر، وهو أمر بقتال مطلق، لا بشرط أن يبدأ الكفار: دليل ذلك قوله تعالى:
{وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}. وفي سورة (الأنفال): {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ} وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
«أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم، وأموالهم إلاّ بحقّ الإسلام». هذا؛ والفتنة هنا بمعنى الشّرك، ومثله في (الأنفال) رقم [٣٩] والآية رقم [٩١] السّابقة، وتكون الفتنة بمعنى العبرة، كقوله تعالى في سورة (يونس) رقم [٨٥]: {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} ولها معان أخر بحسب موقعها من الجملة.
{فَإِنِ انْتَهَوْا:} أي: عن الكفر، إمّا بالإسلام، كما تقدّم، أو بأداء الجزية، كما رأيت في سورة (التّوبة). {فَلا عُدْوانَ:} المراد به هنا: المعاقبة، والمقاتلة، وسمّى ما يصنع بالظالمين:
عدوانا من حيث هو جزاء عدوان؛ إذ الظلم يتضمّن العدوان، فسمّى جزاء العدوان عدوانا من قبيل المشاكلة، وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى، كما في الآية التالية:{فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ،} وقوله تعالى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} وقوله تعالى في آخر سورة (النّحل): {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ} ومثل ذلك كثير في كتاب الله. قال الزجّاج-رحمه الله تعالى-: العرب تقول: ظلمني فلان، فظلمته؛ أي: جازيته بظلمه، وقال ابن الرقعمق في المشاكلة:[الكامل]