رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أرسل الله من نسمة من ريح إلا بمكيال، ولا قطرة من ماء إلا بمكيال، إلا يوم عاد، ويوم نوح، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزّان، فلم يكن لهم عليه سبيل». ثم قرأ قوله تعالى: {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ} والريح لما كان يوم عاد عتت على الخزان، فلم يكن لهم عليها سبيل». ثم قرأ قوله تعالى: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ}. انتهى. كشاف، وقرطبي.
وفي الكشاف بدل (من نسمة): (من سفينة) وانظر شرح الريح في سورة (القمر) رقم [١٩].
الإعراب: {وَأَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا:} الإعراب مثل الآية السابقة بلا فارق. {بِرِيحٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ:} صفتان ل: (ريح).
{سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨)}
الشرح: {سَخَّرَها عَلَيْهِمْ} أي: أرسل الريح وسلّطها على قوم عاد. والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار. والتسخير التذليل. {سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً} قال الزمخشري في الكشاف: الحسوم لا يخلو من أن يكون جمع: حاسم، كشهود، وقهود، أو مصدرا كالشكور، والكفور، فإن كان جمعا؛ فمعنى قوله: حسوما نحسات، حسمت كل خير، واستأصلت كل بركة، حيث قيل: الحسم: الاستئصال، ويقال للسيف: حسام؛ لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته، قال طرفة من معلقته رقم [٩٢]: [الطويل]
حسام إذا ما قمت معتضدا به... كفى العود منه البدء ليس بمعضد
والمعنى: أن الريح حسمتهم؛ أي: قطعتهم، وأذهبتهم، فهي قاطعة بعذاب الاستئصال.
وقيل: معنى حسوما: متتابعة هبوب الرياح، ما خفتت ساعة حتى أتت عليهم، تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى؛ حتى يحسم، لذا قيل: هو استعارة تصريحية تبعية. قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي: [الوافر]
ففرّق بين بينهم زمان... تتابع فيه أعوام حسوم
وهذه الأيام هي التي قال الله عنها في سورة (فصلت) رقم [١٦]: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيّامٍ نَحِساتٍ}. هذا؛ واختلف في أولها، فالمعتمد: أنها ابتدأت صباح يوم الأربعاء، وانتهت غروب الشمس من اليوم الثامن من يوم الأربعاء أيضا، وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز؛ لأن عجوزا من (عاد) دخلت سربا هربا من الريح، فتبعتها، فقتلتها في اليوم الثامن.
وقيل: سميت أيام العجوز؛ لأنها وقعت في عجز الشتاء، وهي من آخر شباط، وأول آذار من الأشهر الميلادية، وما يوافقها من الأشهر القمرية الهجرية، ولها أسام مشهورة عند العرب، وفيها يقول الشاعر، وهو ابن أحمر: [الكامل]