الأصل في هذا (أالله)(أالذّكرين) فأبدلوا من الألف الثانية مدة، ليفرقوا بين الاستفهام، والخبر، وذلك: أنهم لو قالوا: الله خير بلا مد؛ لالتبس الاستفهام بالخبر، ولم يحتاجوا إلى هذه المدة في قوله تعالى:{أَطَّلَعَ} لأن ألف الاستفهام مفتوحة وألف الخبر مكسورة، وذلك أنك تقول في الاستفهام:(أطّلع؟ أفترى؟ أصطفى؟ أستغفرت؟) بفتح الألف، وتقول في الخبر:(اطّلع، افترى، اصطفى، استغفرت لهم) بالكسر، فجعلوا الفرق بالفتح، والكسر، ولم يحتاجوا إلى فرق آخر. انتهى. قرطبي. هذا؛ وأصل:«اطلع» اطتلع على وزن افتعل مثل: اجتمع، فقلبت التاء طاء، وأدغمت في مثلها.
{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ:} المعنى: أقد بلغ من عظمة شأنه إلى أن ارتقى إلى عالم الغيب الذي توحّد به الواحد القهار؛ حتى ادعى أن يؤتى في الآخرة مالا، وولدا، وتألّى عليه؟! {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً:} أو اتخذ من علام الغيوب عهدا بذلك؟! فإنه لا يتوصل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين. وقيل: العهد: كلمة الشهادة، والعمل الصالح، فإن وعد الله بالثواب عليهما كالعهد عليه. انتهى. بيضاوي.
الإعراب:{أَطَّلَعَ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري توبيخي. (اطلع): ماض، وفاعله يعود إلى {الَّذِي كَفَرَ}. {الْغَيْبَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ثان للفعل:(أرأيت). {أَمِ:} حرف عطف. {اِتَّخَذَ:} ماض، وفاعله يعود إلى {الَّذِي} أيضا.
{عِنْدَ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، أو هو متعلق بمحذوف حال من {عَهْداً} كان صفة لهن انظر الآية رقم [٤] وقيل مفعول به ثان ل: {اِتَّخَذَ} وعهدا مفعول به أول، ولا وجه له قطعا، و {عِنْدَ:} مضاف، و {الرَّحْمنِ:} مضاف إليه. {عَهْداً:} مفعول به، وجملة:{اِتَّخَذَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مثلها. تأمل.
{كَلاّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩)}
الشرح:{كَلاّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ} أي: سنظهر له: أنا كتبنا وسجلنا قوله على حد قول زائدة بن صعصعة يعرّض فيه بزوجه، وكانت أمها سرّيّة:[الطويل]
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة... ولم تجدي من أن تقرّي به بدّا
أي: وتبين، وظهر: أني لم تلدني لئيمة، أو معنى الآية: سننتقم منه انتقام من كتب جريمة العدو، وحفظها عليه؛ لأن نفس الملائكة الكتبة لا يتأخرون عن كتابة قوله. قال تعالى:{ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}{وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا} أي: ونزيد له من العذاب، ونضاعفه له لكفره، وافترائه، واستهزائه على الله، ولذلك أكد بالمصدر دلالة على فرط غضبه عليه.
وقيل: نطيل مدة عذابه. وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يفيد انتهاء مدة عذاب الكافر.