للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفطنون، ولا يتدبرون ما يقع بهم من الخزي، والنكال في الدنيا والآخرة. وانظر ما ذكرته بشأن الشعر، والشعراء في الآية رقم [٢٢٤] من سورة (الشعراء) تجد ما يسرك.

وفي مختصر ابن كثير: قال عمر-رضي الله عنه-: خرجت أتعرض لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة (الحاقة)، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، وقال: فقلت: هذا والله شاعر! كما قالت قريش، قال: فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ} قال: فقلت: هو كاهن. قال: فقرأ: {وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣)} إلى آخر السورة، قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع.

فهذا من جملة الأسباب التي جعلها الله تعالى مؤثرة في هداية عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-.

انتهى.

الإعراب: {وَما:} (الواو): واو الحال. (ما): نافية حجازية تعمل عمل: «ليس». {هُوَ:}

ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع اسم (ما). {بِقَوْلِ:} (الباء): حرف جر صلة. (قول): خبر (ما) منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، و (قول): مضاف، و {شاعِرٍ} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الاسمية في محل نصب حال من (قول رسول كريم) والرابط: الواو، والضمير، وإن اعتبرتها معطوفة على قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ؛} فلا محل لها مثلها. {قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ} انظر إعراب مثل هذه الجملة في الآية رقم [٢٣] من سورة (الملك). فهو مثلها بلا فارق.

{وَلا:} (الواو): حرف عطف. (لا): صلة لتأكيد النفي. {بِقَوْلِ كاهِنٍ:} معطوف على {بِقَوْلِ شاعِرٍ} فهو مثله في إعرابه، وتقديره: ولا يجوز اعتبار (لا) نافية حجازية، تعمل عمل «ليس» واسمها محذوف لدلالة ما قبله عليه؛ لأنها لا تعمل في المعارف. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)}

الشرح: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي: هذا القرآن منزل من رب العالمين، وليس كما يقولون:

هو سحر، أو شعر، أو كهانة، بل هو الحق الذي لا مرية فيه، وليس وراءه شيء نافع. وقال ابن زيد: زعم كفار قريش: أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى: أنه لا يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى في سورة (الشعراء): {وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}.

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ} أي: تكلف، وأتى بقول من قبل نفسه، وسمى الافتراء: تقولا؛ لأنه قول متكلف، وسمى الأقوال المفتراة: أقاويل تحقيرا بها، كأنه جمع أفعولة من القول،

<<  <  ج: ص:  >  >>