الشرح:{إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} أي: إلا من اختطف من الشياطين الخطفة، وهي الكلمة يسمعها من السماء، فيلقيها إلى الذي تحته، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يأتيه الشهاب، فيحرقه، فيذهب بها الآخر إلى الكاهن، كما رأيت. هذا؛ والخطف: الأخذ بسرعة، والخطف: الاختلاس. والمراد: اختلاس كلام الملائكة مسارقة، وبسرعة شديدة.
{فَأَتْبَعَهُ:} بمعنى: تبعه. {شِهابٌ:} هو ما يرى كأنه كوكب ينقض. {ثاقِبٌ:} مضيء، كأنه يثقب الجو بضوئه. وقيل: يثقب الشيطان، أو يحرقه، أو يخبله. والأول أولى. هذا؛ ورجل ثاقب الرأي: إذا كان صحيح التفكير، نافذ البصيرة. ولا يقال: إن الشيطان من النار، فلا يحترق؛ لأنه ليس من النار الصرف، كما أن الإنسان ليس من التراب الخالص، مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها.
تنبيه: فإن قلت: جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا يقتضي ثبوتها، وبقاءها فيها، وجعلها رجوما للشياطين يقتضي زوالها، وانفصالها عنها؛ فكيف الجمع بين هاتين الحالتين؟ قلت:
قالوا: إنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب، بل يجوز أن ينفصل من الكوكب شعلة يرمى بها الشيطان، والكوكب باق بحاله، وهذا كمثل القبس الذي يؤخذ من النار، وهي بحالها.
فإن قلت: إذا كان الشيطان يعلم: أنه يصاب، ولا يصل إلى مقصوده، فكيف يعود مرة أخرى؟ أو كيف يحاول استراق السمع؛ وقد رأى غيره قد احترق؟! قلت: يعود رجاء نيل المقصود، وطمعا في السلامة، كراكب البحر، فإنه يشاهد الغرق أحيانا، لكن يعود إلى ركوبه رجاء السلامة، ونيل المقصود. انتهى. خازن بتصرف. هذا وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٨] من سورة (الحجر) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كان للشياطين مقاعد في السماء، فكانوا يسمعون الوحي، وكانت النجوم لا تجري، وكانت الشياطين لا ترمى، فإذا سمعوا الوحي؛ نزلوا إلى الأرض، فزادوا في الكلمة تسعا، فلما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاءه شهاب، فلم يخطئه؛ حتى يحرقه، فشكوا ذلك إلى إبليس لعنه الله، فقال: ما هو إلا من أمر حدث، فبعث جنوده يبحثون في الأرض، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلي بين جبلي نخلة-قال وكيع: يعني: بطن نخلة-قال: فرجعوا إلى إبليس، فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث! أخرجه ابن جرير. وانظر ما ذكرته في سورة (سبأ)[٢٣] فإنه جيد. وأيضا في سورة (الجن).