{بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً (١١)}
الشرح: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ} أي: فقصرت أنظارهم على الدنيا وحطامها الفاني، وظنوا:
أن الكرامة إنما هي بالمال، فطعنوا فيك بفقرك. أو المعنى: فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب؟ وكيف يصدقون بتحقيق ما وعدك في الآخرة، وهم لا يؤمنون بها؟ {وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً} أي: وهيأنا للمكذبين بها نارا شديدة الاستعار. وقيل: هو اسم لواد من أودية جهنم، فيكون صرفه باعتبار المكان. هذا؛ والمراد ب: (الساعة) يوم القيامة، وانظر الآية رقم [٩٦] من سورة (الأنبياء) وانظر شرح (السعير) في الآية رقم [٤] من سورة (الحج). هذا؛ و (أعتدنا) دليل واضح على وجود النار الآن كما أن الجنة موجودة الآن، لقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.
الإعراب: {بَلْ:} حرف إضراب، تبتدأ بعده الجمل. {كَذَّبُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {بِالسّاعَةِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. (أعتدنا):
فعل، وفاعل. {لِمَنْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (من) تحتمل الموصولة، والموصوفة، وجملة:
{كَذَّبَ بِالسّاعَةِ:} صلة (من) أو صفتها، والعائد، أو الرابط رجوع الفاعل إليها. {سَعِيراً:}
مفعول به، وجملة: {وَأَعْتَدْنا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، الأولى بالاستئناف، والثانية بالإتباع.
{إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢)}
الشرح: {إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} أي: من مسيرة خمسمئة عام، وتأنيث الفاعل، وهو عائد على {سَعِيراً؛} لأنه بمعنى النار، أو جهنم. {سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} أي: سمعوا لها صوت التغيظ، شبّه صوت غليانها بصوت المغتاظ، وزفيره، وهو صوت يسمع من جوفه. هذا؛ وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبنية؛ أمكن أن يخلق الله فيها حياة، فترى، وتتغيظ، وتزفر، وقيل: إن ذلك لزبانيتها، فنسب إليها على حذف المضاف. انتهى. بيضاوي.
قال القرطبي: والأول أصح لما روي مرفوعا: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ بين عيني جهنم مقعدا!». قيل: يا رسول الله! ولها عينان؟! قال: «أما سمعتم الله عز وجل يقول: {إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ..}. إلخ. يخرج عنق من النار، له عينان تبصران، ولسان ينطق، فيقول: وكّلت بكلّ من جعل مع الله إلها آخر، فلهو أبصر بهم من الطّير بحبّ السّمسم فيلتقطه».
وخرج الترمذي من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين». انتهى. قرطبي.