من نسبة الصاحبة، والولد إليه حقّ، وصدق، فلما سمعنا القرآن وأسلمنا؛ علمنا: أنه كذب.
انتهى. هذا؛ وإن الظن في الشريعة قسمان: محمود، ومذموم، فالمحمود منه: ما سلم معه دين الظان، ودين المظنون به عند بلوغه. والمذموم ضده بدليل قوله تعالى:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} الآية رقم [١٢] من سورة (الحجرات)، وقوله تعالى في سورة (النور) رقم [١٢]: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً،} وقوله تعالى في سورة (الفتح) رقم [١٢]: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً}. هذا؛ وينبغي للإنسان أن يحسن ظنه بالناس، ولا يسيء ظنه بهم استجابة لأمر الله تعالى في آية (الحجرات): {اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} إلا إذا ظهر من أحدهم ما يخالف الشرع الشريف. ولا يسيء الظن بهم إلا الذي أعماله سيئة. قال الشاعر:[الطويل]
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه... وصدّق ما يعتاده من توهّم
وكذلك ينبغي للمسلم أن يحسن ظنه بالله تعالى بأن الله يرحمه، ويعفو عنه، ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى:«أنا عند ظنّ عبدي بي...» إلخ، ولكن ينبغي أن يقرن حسن ظنه بالله بحسن العمل، وإلا فهو ظن خاطئ، وزعم فاسد، ففي الحديث الشريف يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«ليس الإيمان بالتمنّي، ولا بالتحلّي، ولكن ما وقر في القلب، وصدّقه العمل، إن قوما ألهتهم الأمانيّ؛ حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظنّ بالله، كذبوا! لو أحسنوا الظنّ؛ لأحسنوا العمل». ومفرد {الْإِنْسُ} إنسان، انظر الآية رقم [١٩] من سورة (المعارج)، وانظر الكلام على الجن في الآية الأخيرة من هذه (السورة) ولا تنس الطباق بين (الإنس) و (الجن).
الإعراب:{وَأَنّا:} الواو: حرف عطف. (أنّ): حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها.
{ظَنَنّا:} فعل، وفاعل. {أَنْ:} حرف مشبه بالفعل مخفف من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، التقدير: أنه. {لَنْ:} حرف ناصب. {تَقُولَ:} فعل مضارع. {الْإِنْسُ:} فاعله.
{وَالْجِنُّ:} معطوف على ما قبله. {عَلَى اللهِ:} متعلقان بالفعل {تَقُولَ،} أو هما متعلقان بمحذوف حال من {كَذِباً} كان نعتا له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة:«نعت النكرة إذا تقدم عليها؛ صار حالا»، {كَذِباً:} مفعول به، أو نعت مفعول مطلق محذوف، التقدير قولا كذبا، وجملة:{لَنْ تَقُولَ..}. إلخ في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع معطوف على مثله في الآية رقم [١]، وعلى قراءة كسر الهمزة فالجملة معطوفة على:
{إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً} فهي في محل نصب مقول القول مثلها.
الشرح: كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر، فأمسى في أرض قفر؛ قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في أمن، وجوار منهم حتى يصبح. روى البغوي