للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلام من مقول الحواريين. {وَاتَّبَعْنَا:} فعل، وفاعل. {الرَّسُولَ:} مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {فَاكْتُبْنا:} الفاء في مثل ذلك يعتبرها من يجيز عطف الإنشاء على الخبر عاطفة، وابن هشام يعتبرها للسببية المحضة، وأراها الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ذلك حاصلا منا؛ فاكتبنا. (اكتبنا): فعل دعاء، والفاعل مستتر تقديره:

«أنت»، ونا: مفعول به. {مَعَ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، و {مَعَ} مضاف، {الشّاهِدِينَ:}

مضاف إليه مجرور... إلخ.

{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤)}

الشرح: {وَمَكَرُوا} يعني: كفار بني إسرائيل؛ الذين أحسّ عيسى منهم الكفر؛ حيث دبّروا قتل عيسى، عليه السّلام. وأصل المكر: صرف الغير عمّا يقصده بضرب من الحيلة، وهذا شأن اليهود في غابر الأزمان، وحاضرها، فقد قتلوا يحيى، وزكريا، وغيرهما من الأنبياء، وقد نوّه القرآن الكريم بذلك كثيرا. {وَمَكَرَ اللهُ:} جازاهم الله على مكرهم، حيث رفع عيسى إلى السّماء، وألقى بشبهه على من أراد قتله؛ حتى قتل. هذا؛ والمكر معناه: الخبث، والخداع، والاحتيال، وهو مستحيل في حقّ الله تعالى، وإنّما ذكر ذلك من باب المقابلة، وهذا ما يسمّى عند البلغاء بالمشاكلة؛ أي: ذكر الله سبحانه جزاءهم من جنس صنيعهم، ومنه قوله سبحانه:

{نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ،} {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} وانظر الآية رقم [١٥] من سورة (البقرة) إن أردت الزيادة.

قال صاحب البحر المحيط-رحمه الله تعالى-: سأل رجل الجنيد-رحمه الله تعالى-فقال:

كيف رضي الله-سبحانه-لنفسه المكر، وقد عاب به غيره. فقال: لا أدري، ولكن أنشدني فلان الظّهراني: [الوافر]

ويقبح من سواك الفعل عندي... فتفعله فيحسن منك ذاكا

ثمّ قال له: قد أجبتك؛ إن كنت تعقل. {وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} أي: هو أفضل المجازين بالسيئة العقوبة. ومكر الله في هذه الآية خاصة إلقاء الشبه على صاحبه؛ الّذي دلّهم على عيسى حين أرادوا قتله حتّى قتل، ورفع عيسى إليه. وذلك: أن اليهود لما اجتمعوا على قتل عيسى-عليه السّلام-دخل البيت هاربا منهم، فقال ملكهم لرجل منهم خبيث، هو: يهوذا، وكان أحد الحواريين لكنّه نافق، ادخل عليه، فاقتله، أو أخرجه، فدخل البيت، فلم يجد عيسى فيه، وألقى الله عليه شبه عيسى، فلمّا خرج رأوه على شبه عيسى، عليه السّلام، فأخذوه، وقتلوه، وصلبوه، وهو يقول لهم: أنا صاحبكم، ثم قالوا: وجهه يشبه وجه عيسى، وبدنه يشبه بدن صاحبنا، فإن كان هذا صاحبنا؛ فأين عيسى؟ وإن كان هذا عيسى؛ فأين صاحبنا؟ فوقع بينهم قتال، فقتل بعضهم بعضا. قال تعالى في

<<  <  ج: ص:  >  >>