الشعائر هنا بدين الله، أو فرائض الحج، أو مواضع نسكه، أو ما يقدم إلى الحرم من الهدايا؛ لأنها من معالم الحج، وهو أوفق لظاهر ما بعده. وتعظيمها أن تختار حسانا، سمانا، غالية الأثمان، فقد روي أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أهدى مئة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب، وأنّ عمر رضي الله عنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمئة دينار. هذا؛ وسميت البدن شعائر؛ لإشعارها بما يعرف به: أنها هدي، كطعن حديدة بسنامها.
{فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} أي: فإن تعظيم شعائر الله من أعمال أصحاب القلوب التقية المتقية، ففيه حذف هذه المضافات، وإضافة الصفة للموصوف، ومثل الآية الكريمة قول كلحبة العرني اليربوعي:[الطويل]
فأدرك إرقال العرادة ظلعها... وقد جعلتني من حزيمة إصبعا
إذ التقدير: جعلتني منه ذا مسافة إصبع واحدة، وهذا هو الشاهد رقم [١٠٥٧] من كتابنا فتح القريب المجيب. وانظر (التقوى) في الآية رقم [١]. هذا؛ وقد ذكرت القلوب؛ لأنها مراكز للتقوى، ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«التّقوى ها هنا». ثلاث مرات، وأشار إلى صدره، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ:} انظر إعراب مثل هذه الكلمات في الآية رقم [٣٠].
{فَإِنَّها:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (إنها): حرف مشبه بالفعل، و (ها) اسمه. {مِنْ تَقْوَى:} متعلقان بمحذوف خبر (إنّ) وعلامة الجر كسرة مقدرة على الألف للتعذر، وتقوى مضاف، و {الْقُلُوبِ} مضاف إليه. قال القرطبي: وقرئ برفع القلوب على أنها فاعلة بالمصدر الذي هو (تقوى). ولم أره لغيره. هذا؛ والجملة الاسمية:(إنها...) إلخ في محل جزم جواب الشرط وهي خالية من ضمير يعود إليه، فيقدر: فإنها من تقوى القلوب منهم على معنى (من)، أو تقديره: فإن تعظيمها منه على لفظ (من). وانظر حذف المضافات في الشرح، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، كما رأيت في الآية رقم [١٥].
الشرح:{لَكُمْ فِيها:} أي: في البدن المهداة إلى البيت. {مَنافِعُ} أي: من الركوب والدرّ، والنسل، والصوف، وغير ذلك. {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: إلى أن يسميها هديا، فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها، وهذا قول مجاهد، وقتادة، والضحاك، ورواية عن ابن عباس -رضي الله عنهم أجمعين-وقيل: المراد بالأجل المسمى: هو نحرها، وهو قول عطاء، وعلى القول الأول يركبها بعد تسميتها هديا عند الحاجة، ويشرب لبنها بعد ري فصيلها.