الشرح:{وَلا يَحْسَبَنَّ} أي: الكفار. وقرئ:(«ولا تحسبنّ») بتاء المضارعة. والمعنى: لا تحسبنّ يا محمد. وهو يعمّ كل مخاطب. {أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ:} الإملاء: الإمهال، وطول العمر مع رغد العيش. وقيل: المراد تخليتهم وشأنهم، من: أملى لفرسه: إذا أرخى لها الطول؛ لترعى كيف شاءت. {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً} أي: إنّ الله يعطيهم ما يحبّون، ويمهلهم؛ ليزدادوا طغيانا، فهو كقوله تعالى في سورة (مريم): {مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا}. وقوله تعالى في سورة (القلم): {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} وانظر رقم [١٩٧].
وروي عن ابن مسعود، وابن عباس-رضي الله عنهما-قولهما: ما من أحد برّ، ولا فاجر إلاّ والموت خير له؛ لأنّه إنّ كان برّا؛ فقد قال الله تعالى:{وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ} وإن كان فاجرا؛ فقد قال تعالى:{إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً} وهذا يعارض ما ورد من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«لا يتمنّى أحدكم الموت، إمّا محسنا؛ فلعلّه يزداد، وإمّا مسيئا؛ فلعلّه يستعتب». أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه: أنّ رجلا قال: يا رسول الله أيّ الناس خير؟ قال:«من طال عمره، وحسن عمله». قال: فأيّ الناس شرّ؟ قال:«من طال عمره، وساء عمله». رواه الترمذيّ، والطبرانيّ. والآية نص في بطلان رأي المعتزلة، والقدريّة؛ لأنّ الله تعالى أخبر: أنه يطيل أعمارهم؛ ليزدادوا الكفر بعمل المعاصي، وتوالي أمثاله على القلب. وقد تحمّل الزمخشري في هذه الآية تأويلات فاسدة، فصفعه ابن المنبر-رحمه الله تعالى-صفعة ناعمة.
هذا؛ و «عذاب» اسم مصدر لا مصدر؛ لأنّ المصدر: تعذيب؛ لأنه من: عذّب، يعذّب.
ومثله: سلام، وعطاء، وكلام... إلخ، و «مهين» أصله: مهين، فإعلاله قل فيه: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلّة، فنقلت حركة الياء إلى الهاء بعد سلب سكونها، فصار: مهين، ومثله قل في إعلال مبين، ونحوه.
الإعراب:{وَلا:} الواو: حرف استئناف. ({لا}): ناهية جازمة. {يَحْسَبَنَّ:} مضارع مبني على الفتح في محل جزم ب ({لا}) الناهية، ونون التوكيد الثقيلة حرف لا محل له. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. {كَفَرُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق، ومتعلقه