للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)}

الشرح: {يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يعني: من ملك، وإنس، وجن، فلا يستغني عن فضله أهل السموات، والأرض. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: فأهل السموات يسألونه المغفرة، وأهل الأرض يسألونه المغفرة والرزق. وقيل: كل أحد يسأله الرحمة، وما يحتاجه في دينه أو دنياه. وفيه إشارة إلى كمال قدرة الله تعالى، وأن كل مخلوق وإن جل وعظم؛ فهو عاجز عن تحصيل ما يحتاج إليه، مفتقر إلى الله تعالى. انتهى. خازن. هذا؛ ومن أهم ما ينبغي أن يسأل المؤمن ربه التوفيق للطاعة، والمعونة على العبادة، وتسديد الخطى على الصراط المستقيم.

{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ:} في أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل، من إحياء، وإماتة وإعزاز، وإذلال، وإغناء، وإفقار، وإجابة داع، وإعطاء سائل، وغير ذلك. وروى أبو الدرداء -رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} قال: «من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين». وعن ابن عمر-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قول الله عز وجل: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} قال: «يغفر ذنبا، ويكشف كربا، ويجيب داعيا».

وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنه قال: إن مما خلق الله عز وجل لوحا من درة بيضاء، دفتاه من ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمئة وستين نظرة، يخلق، ويرزق، يحيي، ويميت، يعز، ويذل، ويفعل ما يشاء، فذلك قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}. وقال الحسين بن الفضل: هو سوق المقادير إلى المواقيت، ومعناه: أن الله-عز وجل-كتب ما يكون في كل يوم، وقدر ما هو كائن، فإذا جاء ذلك الوقت، فعلقت إرادته بالفعل، فيوجده في ذلك الوقت. هذا؛ وقيل: نزلت الاية ردا على اليهود حين قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت شأنا أو شيئا.

فائدة: يروى أن ابن الشجري كان في مجلس وعظه، وإرشاده، والناس حوله يستمعون إليه، فرفع أحد الحاضرين يده، وقال: سؤال يا فضيلة الشيخ، فقال له: ما السؤال؟ فقال: الله يقول: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ما شأن ربك الان؟ فقال: غدا آتيك بالجواب إن شاء الله، فذهب إلى بيته فلم يهتد إلى الجواب، فنام مهموما مكروبا، فرأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام، فقال:

يا رسول الله! عرض عليّ سؤال، فلم أهتد إلى جوابه، وذكر السؤال. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: السائل لك الخضر، والجواب: شأن ربك الان أمور يبديها، ولا يبتديها، يرفع أقواما، ويضع آخرين.

وفي اليوم الثاني جلس الشيخ في مجلس وعظه، فرفع السائل يده، وقال: الجواب يا أستاذ! فقال له: شأن ربك الان أمور يبديها... إلخ. فقال له: صل وسلم على من علمك. انتهى.

باجوري على جوهرة التوحيد. والله أعلم، وأجل، وأكرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>