للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكره بلفظة {مَنْ} تغليبا للعقلاء على غيرهم. {فانٍ:} هالك. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لما نزلت هذه الاية قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فنزلت: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ} رقم [٨٨] من سورة (القصص) فأيقنت الملائكة بالهلاك. ووجه النعمة في فناء الخلق:

التسوية بينهم في الموت، ومع الموت تستوي الأقدام. وقيل: وجه النعمة: أن الموت سبب النقل من دار الفناء إلى دار الجزاء، والثواب. {وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ} أي: ويبقى الله؛ فالوجه عبارة عن وجوده وذاته، قال الشاعر: [مخلع البسيط] قضى على خلقه المنايا... فكلّ شيء سواه فاني

وفي المخاطب وجهان: أحدهما: أنه كل واحد، والمعنى: ويبقى وجه ربك أيها الإنسان السامع. والوجه الثاني: أنه يحتمل: أن الخطاب مع النبي صلّى الله عليه وسلّم. {ذُو الْجَلالِ} أي: صاحب العظمة، والكبرياء، الحقيق بصفات المدح، يقال: جلّ الشيء؛ أي: عظم، وأجللته؛ أي:

عظمته، و {الْجَلالِ} اسم من: جلّ، ومعناه: الذي يجله الموحدون عن التشبيه. {وَالْإِكْرامِ} أي:

هو أهل لأن يكرم عما لا يليق به من الشرك، كما تقول: أنا أكرمك عن هذا، وهو المكرم لأنبيائه، وأوليائه، وجميع خلقه بلطفه، وإحسانه إليهم مع جلاله، وعظمته، وروى أنس-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام». أخرجه الترمذي، ومعناه الزموا ذلك في الدعاء. وعن سعيد المقبري: أن رجلا ألحّ، فجعل يقول: اللهم يا ذا الجلال، والإكرام! اللهم يا ذا الجلال والإكرام! فنودي: إني قد سمعت؛ فما حاجتك؟

هذا؛ و {فانٍ} أصله: فاني بضمة على الياء علامة للرفع وبتنوين الصرف، لكن استثقلت الضمة على الياء بعد كسرة، فسكنت الياء، فالتقى ساكنان: الياء والتنوين، فحذفت الياء لعلة الالتقاء، وبقيت النون مكسورة على ما كانت عليه قبل الإعلال، فقيل: (فان) بالكسر، وإنما لم يقل بالرفع؛ لأن الياء محذوفة لعلة الالتقاء، فهي كالثابتة، فتمنع الرفع للدال، وهكذا قل في إعلال كل اسم منقوص، مثل: مهتد، وهاد، ونحوهما.

الإعراب: {كُلُّ:} مبتدأ، وهو مضاف. {مَنْ:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة. {عَلَيْها:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {فانٍ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَيَبْقى:} الواو: حرف عطف. (يبقى): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {وَجْهُ:} فاعله، وهو مضاف، وربك مضاف إليه، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {ذُو:}

صفة وجه مرفوع مثله، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذُو:}

مضاف، و {الْجَلالِ:} مضاف إليه. {وَالْإِكْرامِ:} الواو: حرف عطف. (الإكرام): معطوف على ما قبله، وجملة: (يبقى...) إلخ معطوفة على الجملة الاسمية قبلها، لا محل لها مثلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>