للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد، كما ستعرفه في سورة (القصص) إن شاء الله تعالى، وإن كان شعيب أسنّ من موسى، على نبينا، وحبيبنا، وعليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام، أما إعراب الآيتين فانظره برقم [٨] و [٩] ففيه الكفاية.

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)}

الشرح: {وَإِنَّهُ} أي: القرآن الكريم. {لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي: فليس بشعر، ولا بكهانة، ولا أساطير الأولين، ولا غير ذلك مما قالوه. {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ} أي: جبريل {الْأَمِينُ:} لأنه أمين على الوحي الذي فيه الحياة، وخاب، وخسر من يقول: تاه الأمين، فإنهم يزعمون: أن الرسالة كانت لعليّ، فتاه جبريل، وأعطاها لمحمد صلّى الله عليه وسلّم. {عَلى قَلْبِكَ:} قال البيضاوي رحمه الله تعالى: هذا تقرير لحقية تلك القصص، وتنبيه على إعجاز القرآن، ونبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فإن الإخبار عنها ممن لم يتعلمها، لا يكون إلا وحيا من الله عز وجل، والقلب إن أريد به الروح؛ فذاك، وإن أريد به العضو؛ فتخصيصه؛ لأن المعاني الروحانية إنما تنزل أولا على الروح، ثم تنتقل منه إلى القلب؛ لما بينهما من التعلق، ثم تتصعد منه إلى الدماغ، فينتقش بها لوح المتخيلة.

وقال الخازن: وإنما خص القلب بالذكر؛ لأنه هو المخاطب في الحقيقة، وإنه موضع التمييز، والفعل، والاختيار، وسائر الأعضاء مسخرة له، ويدل له قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب». أخرجاه في الصحيحين، ومن المعقول: أن موضع الفرح، والسرور، والغم، والحزن هو القلب، فإذا فرح القلب، أو حزن يتغير حال سائر الأعضاء، فكان القلب كالرئيس لها، ومنه: أنّ موضع العقل هو القلب على الصحيح من القولين، فإذا ثبت ذلك؛ كان القلب هو الأمير المكلّف، وهو المطلق؛ لأن التكليف مشروط بالعقل، والفهم. انتهى.

{لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ:} المخوفين من عذاب الله عمّا يؤدي إليه من فعل منهي عنه، أو ترك مأمور به، والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم. {بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} أي: واضح؛ لئلا يقول كفار قريش: ما نصنع بما لا نفهمه؛ لو نزل بغير العربية، وعلى هذا فالجار والمجرور متعلقان بالفعل {نَزَلَ،} ويجوز تعليقهما ب‍ {الْمُنْذِرِينَ،} فيكون المعنى: لتكون ممن أنذروا بلغة العرب، هم: هود، وصالح، وإسماعيل، وشعيب على نبينا، وحبيبنا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام. هذا؛ والضمير المنصوب بقوله: (إنه) والمجرور بقوله: (به) عائدان على القرآن الكريم، ولم يتقدّم له ذكر، وهو مفهوم من المقام بلا ريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>