{فَما:} تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية فعلى الأولين مبنية على السكون في محل رفع فاعل {أَغْنى،} والجملة الفعلية صلة {فَما،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: فما أغنى عنهم الذي، أو شيء كانوا يكسبونه، وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل رفع فاعل، التقدير: فما أغنى عنهم كسبهم، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين.
الشرح:{وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما} أي: من أفلاك، وكواكب، وما على الأرض من دواب، وجبال، وأنهار، وغير ذلك. {إِلاّ بِالْحَقِّ} أي: لإظهار الحق، والمجازاة، وهو أن يثاب المؤمن المصدق، ويعاقب الجاحد الكافر المكذب. {وَإِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ} أي:
القيامة لا بد واقعة ليجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} أي:
أعرض عنهم يا محمد، واعف عنهم عفوا حسنا، واحتمل ما تلقى من أذى قومك. وهذا الصفح، والإعراض منسوخ بآية القتال. وقيل: فيه بعد؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يظهر الخلق الحسن، وأن يعاملهم بالعفو، والصفح الخالي من الجزع، والخوف. {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاّقُ:} الذي خلقك، وخلقهم، وبيده أمرك، وأمرهم، و {الْخَلاّقُ} صيغة مبالغة للتكثير، وقرئ: «(الخالق)». {الْعَلِيمُ:} بحالك، وحالهم، فكل إليه أمرك، وأمرهم؛ ليحكم بينكم يوم القيامة.
هذا وقد أعاد الضمير إلى {السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} مثنّى، والمرجوع إليه مجموع السموات والأرض، وتثنية الجمع جائزة على تأويل الجماعتين، ومنه قول الشاعر يذم عاملا على الصدقات:[البسيط]
سعى عقالا، فلم يترك لنا سبدا... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين؟
لأصبح النّاس أوبادا، ولم يجدوا... عند التّفرّق في الهيجا جمالين
فقد ثنى جمالا، الذي هو جمع: جمل، والعقال: صدقة عام، والسبد: المال القليل، واللبد المال الكثير، وأوبادا هلكى جمع وبد، فهو يقول: صار عمرو عاملا على الزكوات في سنة واحدة، فظلم، وأخذ أموالنا بغير حق؛ حتى لم يبق لنا شيء قليل من المال، فكيف يكون حالنا، أو كيف يبقى لأحد مال لو صار عمرو عاملا في زكاة عامين؟! ثم أقسم، فقال: والله لو صار عمرو عاملا سنتين لصارت القبيلة هلكى، فلا يكون لهم عند التفرق في الحرب جمالان؛ أي: قطيعان من الجمال فيختل أمر الغزوات.