للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعبير (ما {بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها}) كناية عمّن أتى قبلها، وأتى بعدها من الأمم، والخلائق، أو عبرة لمن تقدّم، ومن تأخر. والتّعبير بمثل هذا كثير في القرآن الكريم، وإن اختص كلّ موضع بمعنى حسب مقتضيات الأحوال، واختلافها، فمثلا قوله تعالى: {يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} في الآية رقم [٢٥٥]، ومثلها في الآية رقم [٩] من سورة (سبأ) يفسر ما في هذه الآية، وكذلك رقم [١١٠] من سورة (طه) تخالف معنى قوله تعالى: {لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا} الآية رقم [٦٤] من سورة (مريم) على نبينا، وحبيبنا وعليها ألف صلاة، وألف سلام. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

{وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ:} الوعظ: التخويف، وقال الخليل: الوعظ: التذكير بالخير مما يرقّ له القلب، قال الماورديّ: وخصّ المتقين بالذكر، وإن كانت موعظة للعالمين؛ لتفردهم بها عن الكافرين المعاندين؛ أي: لأنهم هم المنتفعون بها بخلاف غيرهم من المنافقين، والفاسقين، والكافرين. وقال الزجّاج: {وَمَوْعِظَةً} لأمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن ينتهكوا من حرم الله ما نهاهم عنه، فيصيبهم ما أصاب أصحاب السّبت؛ إذ انتهكوا حرم الله في سبتهم. انتهى. ولا تنس قوله تعالى في سورة (الذّاريات): {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. هذا؛ وأصل المتقين: الموتقيين بياءين مخففتين، حذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها، ثمّ حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وأبدلت الواو على أصلهم في اجتماع الواو، والتاء، مثل: اتصل، أصله: اوتصل، وأدغمت التاء في التّاء، فصار: للمتّقين. هذا؛ والتقوى: طاعة من غير عصيان، وذكر من غير نسيان، وشكر من غير كفران.

الإعراب: {فَجَعَلْناها:} فعل وفاعل، ومفعول به أوّل، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها، وهو أقوى من العطف على ما قبلها. {نَكالاً:} مفعول به ثان. {لِما:} جار ومجرور متعلقان ب‍ {نَكالاً؛} لأنه مصدر، أو بمحذوف صفة له. {بَيْنَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، و {بَيْنَ} مضاف، و {يَدَيْها:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنّى لفظا، وحذفت النون للإضافة، و «ها» في محل جر بالإضافة. (ما): معطوفة على ما قبلها بالواو العاطفة، فهي في محل جر مثلها. {خَلْفَها:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، و «ها»: في محل جر بالإضافة. ({مَوْعِظَةً}) معطوف على {نَكالاً}. {لِلْمُتَّقِينَ:}

متعلقان ب‍ ({مَوْعِظَةً}) أو بمحذوف صفة لها.

{وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧)}

الشرح: لمّا ذكر الله تعالى بعض قبائح اليهود، وجرائمهم، من نقض المواثيق، والعهود، واعتدائهم في السّبت، وتمرّدهم على الله عز وجل في تطبيق شريعته المنزلة على موسى؛ أعقبه بذكر نوع آخر من مساوئهم، ألا وهو مخالفتهم للأنبياء، وتكذيبهم لهم، وعدم مسارعتهم لأوامر

<<  <  ج: ص:  >  >>