للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عطف. {يَجْعَلَ:} معطوف على ما قبله منصوب مثله. {اللهُ:} فاعله. {لَهُنَّ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب مفعول به، وجوز تعليقهما بمحذوف حال من:

{سَبِيلاً} كان صفة له، فلمّا قدّم عليه؛ صار حالا. {سَبِيلاً:} مفعول به.

{وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوّاباً رَحِيماً (١٦)}

الشرح: {وَالَّذانِ:} تثنية «الذي» وكان القياس أن يقال: اللذيان، كرحيان، ومصطفيان... إلخ، قال سيبويه-رحمه الله تعالى-: حذفت الياء؛ ليفرق بين الأسماء المتمكنة، والأسماء المبهمة. وقال علي الفارسي: حذفت الياء تخفيفا؛ إذ قد أمن اللبس في «اللذان» لأن النّون لا تنحذف، ونون التثنية في الأسماء المتمكنة قد تنحذف مع الإضافة في:

رحياك، ومصطفيا القوم، فلو حذفت الياء؛ لاشتبه المفرد بالاثنين.

{يَأْتِيانِها} أي: الفاحشة. {مِنْكُمْ} أي: المسلمين. {فَآذُوهُما} أي: عيروهما بالقول، واللسان، وهو أن يقال له: أما خفت الله؟! أما استحيت من الله حين زنيت؟! وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: سبّوهما، واشتموهما. {فَإِنْ تابا:} من الفاحشة، وحسنت توبتهما. {وَأَصْلَحا} أي: عملهما فيما يأتي. {فَأَعْرِضُوا عَنْهُما} أي: اتركوهما، ولا تؤذوهما.

{إِنَّ اللهَ كانَ تَوّاباً رَحِيماً} أي: يعود على عبده بفضله، ومغفرته، ورحمته، إذا تاب إليه، وأناب إلى رحمته، وعفوه.

هذا؛ وقد وصف الله نفسه بأنّه توّاب، وتكرّر هذا اللفظ في القرآن منكّرا، ومعرّفا، واسما، وفعلا، وقد يطلق على العبد أيضا توّاب، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} قال ابن العربي: ولعلمائنا في وصف الرب بأنه توّاب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يجوز في حق الرّبّ سبحانه وتعالى، فيدعى به كما في الكتاب، والسنة، ولا يتأول. وقال آخرون: هو وصف حقيقي لله تعالى، وتوبة الله على العبد: رجوعه من حال المعصية إلى حال الطاعة. وقال آخرون: توبة الله على العبد قبول توبته، وذلك يحتمل أن يرجع إلى قوله سبحانه وتعالى: قبلت توبتك، وأن يرجع إلى خلقه الإنابة، والرجوع في قلب المسيء من إجراء الطّاعات على جوارحه، وإنّما قيل لله تعالى: تواب لمبالغة الفعل، وكثرة قبوله توبة عباده، ولكثرة من يتوب عليه.

تنبيه: كان حدّ الزاني في ابتداء الإسلام الأذى بالتوبيخ، والتعيير باللّسان، ثم صار بالحبس، كما رأيت في الآية السابقة، فلما نزلت الحدود، وثبتت الأحكام؛ نسخ ذلك بآية (النور) قوله تعالى: {الزّانِيَةُ وَالزّانِي..}. إلخ، فثبت الجلد على البكر بنصّ الكتاب، وثبت الرّجم على الثيب المحصن بآية (الأحزاب) المنسوخة تلاوة، والباقية حكما، وثبت: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>