للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، فقيل: جملة الشرط، وقيل: جملة الجواب، وقيل: الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين. هذا؛ وإن اعتبرت (من) اسما موصولا فهي مبتدأ، والجملة الفعلية بعده صلته، وخبره الجملة الاسمية: (أولئك...) إلخ، وزيدت الفاء في خبره؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم. تأمل، وتدبر، والله أعلم، وأجل، وأكرم.

{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١)}

الشرح: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ:} الأمانات تشمل الودائع التي يضعها أصحابها عند غيرهم، وتشمل جميع التكاليف الإلهية التي كلف الله بها عباده المؤمنين، وتشمل جميع جوارح الإنسان من عين، وأذن، ويد... إلخ، وتشمل جميع المعاملات من بيع، وشراء... إلخ، وتشمل جميع النعم التي أنعم الله بها على العبد من ولد، وزوجة... إلخ. والعهد يشمل جميع الوعود التي يقطعها العبد على نفسه لغيره من الناس، ويشمل جميع العقود التي يعقدها العبد مع غيره، مثل عقد النكاح، ونحوه، وأيضا الصنائع، والأسرار وغير ذلك، ولقد أحسن القرطبي- رحمه الله تعالى-إذ قال: والأمانة، والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه، ودنياه قولا، وفعلا. ومعنى {راعُونَ} قائمون بحفظها، ورعايتها. وأصله: راعيون، فحذفت الضمة التي على الياء لا ستثقالها، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع الواو التي هي علامة الجمع، وهذا في الجمع، كما تحذف من المفرد لا لتقائها ساكنة مع التنوين. انظر الآية رقم [٣٣] من سورة (لقمان).

هذا؛ ويقرأ: «(لأمانتهم)» بالإفراد، وقراءة حفص بالجمع، قال مكي بن أبي طالب القيسي: أمانة:

مصدر، وحق المصادر أن لا تجمع؛ لأنها كالفعل يدل على القليل، والكثير من جنسه، ولكنه لما اختلفت أنواع الأمانة لوقوعها على الصلاة، والزكاة، والتطهر، والحج، وغير ذلك من العبادات جاز جمعها؛ لأنها لما اختلفت أنواعها شابهت المفعول به، فجمعت كما يجمع المفعول به.

{وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ} أي: على أدائها في أوقاتها الأوائل، وعلى إتمام ركوعها، وسجودها، وطهارتها، وكل شروطها، وأركانها، وسننها، وليس ذلك تكرارا لما وصفهم به أولا، فإن الخشوع في الصلاة غير المحافظة عليها، وفي تصدير الأوصاف المذكورة، وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٣١ و ٥٩] من سورة (مريم) على نبينا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام.

{أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ:} الجامعون لهذه الصفات هم الأحقاء، والجديرون بأن يسموا ورّاثا دون غيرهم. {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ:} بيان لما يرثونه، وتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيما لها، وتأكيدا، وهي مستعارة لا ستحقاقهم الفردوس من أعمالهم، وإن كان بمقتضى وعده مبالغة

<<  <  ج: ص:  >  >>