للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَاُذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١)}

الشرح: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ:} عطف على: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ} وعدم تصدير قصة سليمان بهذا العنوان لكمال الاتصال بينه، وبين أبيه داود، على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام. حتى إن قصتيهما قصة واحدة، وأيوب هو ابن أموص، بن رعبل، بن عيص، بن إسحاق. وأمه بنت لوط. حكاه ابن كثير عن ابن عساكر، وعاش ثلاثا وستين سنة، وكانت مدة بلائه سبع سنين. انتهى. جمل نقلا من التحبير للسيوطي. وقيل: كانت مدة بلائه ثماني عشرة سنة. وذكر البيضاوي هنا: أن امرأته اسمها: ليّا بنت يعقوب، وذكرت في سورة (الأنبياء) أن اسمها: رحمة بنت إفرائيم بن يوسف الصديق، وهو المعتمد، ومن نسبته إلى عيص بن إسحاق يعلم: أنه ليس من بني إسرائيل؛ لأن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق، وأولاده هم الذين ينسبون إليه. وقيل: إن أمه بنت لوط، وليس بشيء. هذا؛ وقد ذكر اسمه في القرآن الكريم أربع مرات في الآية رقم [١٦٣] من سورة (النساء)، وفي الآية رقم [٨٤] من سورة (الأنعام)، وفي الآية رقم [٨٣] من سورة (الأنبياء)، وفي هذه السورة، كما ترى.

فائدة:

إنما أسند ما مسه من نصب وعذاب إلى الشيطان مع أنه من البدائه الأولية: أن الشيطان لا يسلط على الأنبياء تأدبا مع الله تعالى، ولأن الشيطان كان يوسوس له، ويغريه على الكراهة، والجزع. هذا؛ وإنك لتجد هذا الأدب في قول إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} رقم [٨٠] من سورة (الشعراء) وقال الخضر: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها} رقم [٧٩] من سورة (الكهف) مع أن المعافي، والمشافي، والممرض هو الله تعالى، والمريد للعيب، هو الله تعالى. هذا؛ وقرئ (نصب) بقراآت كثيرة، ومعناه: التعب، والإعياء.

وقيل: إن النصب ما أصابه في بدنه، والعذاب ما أصابه في ماله وولده. وقال عبد الوهاب النجار-رحمه الله تعالى-: إن الناس يروون في بلاء أيوب أقوالا يوردونها تدل على أنه مرض مرضا مشوها، ومنفرا للناس من قربائه والدنو منه، وهذا يتنافى مع منصب النبوة، وقد قرر علماء التوحيد: أن الأنبياء منزهون من الأمراض المنفرة، فكيف يتفق ذلك مع منصب النبوة؟! والجواب على ذلك من وجهين:

الأول: أن الابتلاء على الوجه الذي يقولون كان قبل النبوة، وأن منحة النبوة إنما كانت لما بدا منه من الصبر، والرضا بما أصابه من مكروه، وملازمته جانب الرضا عن الله تعالى.

الثاني: أن المبالغين في ضر أيوب عليه السّلام إنما اعتمدوا فيما يقولون على ما جاء عند أهل الكتاب في السفر المسمى سفر أيوب، وإذا ثبت: أن هذا السفر حقيقي، فعبارته مؤولة بالمبالغة، فالذين قرؤوا ذلك السفر حسبوا ما جاء فيه من الوصف حقيقيا، ولو تدبروا؛ لعلموا:

<<  <  ج: ص:  >  >>