للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن سفر أيوب يشبه قصائد شعرية، قيلت في وصف ضره، وصبره، والشعر في كل لغة ميدان المبالغة، انظروا إلى قول عمر بن الفارض-رضي الله عنه-: [الطويل]

فطوفان نوح عند نوحي كأدمعي... وإيقاد نيران الخليل كلوعتي

فلولا زفيري أغرقتني مدامعي... ولولا دموعي أحرقتني زفرتي

وهذا المتنبي يقول: [البسيط]

كفى بجسمي نحولا أنّني رجل... لولا مخاطبتي إياك لم ترني

هذا هو الشاهد رقم (١٧٠) من كتابنا: «فتح القريب المجيب». وله أيضا: [الطويل]

ولو أنّ ما بي من جوى وصبابة... على جمل لم يدخل النار كافر

أي: إن الجمل يلج حينئذ في سم الخياط لشدة ضعفه، وهزاله لو حمل ما يحمل الشاعر، ويحصل المعلق عليه في قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٤٠]: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ} وخذ قول المتنبي أيضا: [الطويل]

ولو قلم ألقيت في شقّ رأسه... من السّقم ما غيّرت من خطّ كاتب

وهذا هو الشاهد رقم [٤٨٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». انتهى. بتصرف.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في الرد على الذين يذكرون ما يحط من قدر أيوب عليه السّلام: والذي جرأهم على ذلك، وتذرعوا به إلى ذكر هذا قوله تعالى: {إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي..}.

إلخ فلما رأوه قد شكا مسّ الشيطان؛ أضافوا إليه من رأيهم ما سبق من التفسير في هذه الأقوال.

وليس الأمر كما زعموا، والأفعال كلها، خيرها، وشرها، وإيمانها، وكفرها، طاعتها، وعصيانها، خالقها هو الله لا شريك له في خلقه، ولا في خلق شيء غيرها، ولكن الشر لا ينسب إليه ذكرا، وإن كان موجودا منه خلقا؛ أدبا أدّبنا به، وتحميدا علمناه، وكان من ذكر محمد صلّى الله عليه وسلّم لربه به قوله من جملته: «والخير في يديك، والشّر ليس إليك». على هذا المعنى، ومنه قول إبراهيم-على نبينا، وعليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم-: {وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}. وقال الفتى للكليم: {وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ}.

وقال: ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبرنا الله في كتابه في آيتين: {وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} رقم [٨٣] من سورة (الأنبياء)، والثانية في سورة (ص) رقم [٤١] وأما النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلم يصح: أنه ذكره بحرف واحد، إلا قوله: «بينما أيّوب يغتسل إذ خرّ عليه رجل من جراد من ذهب...». الحديث، وإذا لم يصح عنه فيه قرآن، ولا سنّة إلا ما ذكرناه؛ فمن الذي يوصل السامع إلى أيوب خبره، أم على أي لسان سمعه؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>