للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَتُوبُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية لا محلّ لها مستأنفة. أو معطوفة على مقدّر. {إِلَى اللهِ:} متعلقان بما قبلهما. {وَيَسْتَغْفِرُونَهُ:} فعل مضارع، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محلّ لها مثلها، والجملة الاسمية: {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} مستأنفة لا محلّ لها، وعطفها على الجملة الفعلية السّابقة لا محلّ لها أيضا واعتبارها حالا من لفظ الجلالة جيّد، ويكون الرابط: الواو، وإعادة لفظ الجلالة.

{مَا الْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ اُنْظُرْ أَنّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)}

الشرح: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ:} فيه نفي الألوهية عنه، كما أنّ الرسل الذين كانوا قبله لم يكونوا آلهة، وأمّا إبراؤه الأكمه، والأبرص، وإحياء الميت على يده؛ فهو كإحياء العصا، وجعلها حيّة في يد موسى، على نبينا، وعليهم جميعا ألف ألف صلاة، وألف ألف سلام، قال تعالى في سورة (الزخرف) رقم [٥٩]: {إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ،} وخلقه من غير ذكر كخلق آدم من غير ذكر، وأنثى، قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٥٩]: {خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.

{وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} أي: وما أمّه أيضا إلا كبعض النّساء المصدّقات للأنبياء، المؤمنات بهم، وهذا أعلى مقاماتها، فدلّ على أنّها ليست نبيّة، كما زعمه ابن حزم، وغيره ممّن ذهب إلى نبوّة سارة أم إسحاق، ونبوّة أم موسى، ونبوة أم عيسى استدلالا منهم بخطاب الملائكة لهنّ، والذي عليه الجمهور: أنّ الله لم يبعث نبيّا إلاّ من الرجال، قال تعالى في سورة (الأنبياء): {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}. والإجماع منعقد على ذلك.

{كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ} أي: يحتاجان إلى التغذية به، وإلى خروجه منهما، فهما عبدان كسائر الناس، وليسا بإلهين، كما زعمت فرق النّصارى الضالّة عن طريق الهدى، والحقّ، والصّواب. وبالجملة فإنّ فساد عقيدتهم واضح لا يحتاج إلى إقامة دليل.

{اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ} الدّالة على بطلان قولهم، وفساد عقيدتهم. والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكلّ عاقل يفكّر في أمرهم. {ثُمَّ انْظُرْ أَنّى يُؤْفَكُونَ:} كيف يصرفون عن استماع الحقّ، وقبوله. هذا؛ وتكرير الأمر بالنّظر للمبالغة في التعجّب، ولفظ: {ثُمَّ} لإظهار ما بين العجبين من التّفاوت؛ أي: إن بياننا للآيات أمر بديع بالغ أقصى الغايات من الوضوح، والتحقيق، وإعراضهم عنها أعجب؛ وأبدع.

<<  <  ج: ص:  >  >>