سورة (الصافات) مكية، وهي مئة واثنتان وثمانون آية، وثمانمئة وستون كلمة، وثلاثة آلاف وثمانمئة، وستة وعشرون حرفا، وسميت ب:(الصافات) كناية عن الملائكة، تذكيرا للعباد بالملأ الأعلى من الملائكة الأطهار؛ الذين لا ينفكون عن عبادة الله تعالى؛ الذين قال الله في حقهم:
{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ}.
الشرح:{وَالصَّافّاتِ صَفًّا} المراد: الملائكة، وهو قول ابن عباس ومسروق وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، والسدي، وغيرهم. روى مسلم عن جابر بن سمرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربّهم؟». قلنا: وكيف تصفّ الملائكة عند ربهم.؟ قال صلّى الله عليه وسلّم:«يتمّون الصفوف المتقدمة، ويتراصّون في الصّفّ». وقيل:
المراد: المجاهدون في سبيل الله؛ الذين يقفون أمام أعداء الله صفوفا متراصّين لا يتزحزحون، ولا يتضعضعون. وقيل: المراد المصلون؛ الذين يصطفون صفوفا في الصلاة. وقيل: المراد الطير؛ التي تصف أجنحتها، كقوله تعالى:{وَالطَّيْرُ صَافّاتٍ}. والمعتمد الأول. والله أعلم.
{فَالزّاجِراتِ زَجْراً:} الزجر: الدفع بقوة، وهو قوة الصوت، وشدته، والمراد: الملائكة التي تزجر السحاب، وتسوقه إلى حيث شاء الله. من: الزجر بمعنى: السوق، والحث. وانظر الآية رقم [١٩] الآتية. {فَالتّالِياتِ ذِكْراً:} الملائكة تقرأ كتاب الله، أو المراد: تقرأ آيات الله على أنبيائه، وأوليائه مع ما هم عليه من التسبيح، والتقديس، والتحميد، والتمجيد للإله المجيد الحميد.
{إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ:} هو جواب القسم، والخطاب لأهل مكة؛ الذين حكى الله عنهم قولهم:
{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً}. {رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما:} مالك السموات، والأرض، وما بينهما، ومتصرف فيهما تصرف الملاك، فإن وجودهما، وانتظامهما على هذا النمط البديع من أوضح الدلائل على وجود الله، ووحدانيته، واستقلاله بملكهما، وتصرفهما. هذا؛ ولم يقل: وما بينهن لأنه أراد بين الصنفين أو النوعين، أو الشيئين، ومثله قول القطامي:[الوافر]