ألم يحزنك أنّ حبال قيس... وتغلب قد تباينت انقطاعا؟
أراد: وحبال تغلب، فثنّى. والحبال: جمع فثناهما؛؛ لأنه أراد الشيئين، أو النوعين، أو لأنه ثناهما على تأويلهما بالجماعة، وتثنية الجمع جائزة على تأويل الجماعتين. قال الشاعر يذم عاملا على الصدقات:[البسيط] سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين؟!
لأصبح الناس أوبادا ولم يجدوا... عند التّفرّق في الهيجا جمالين
فقد ثنّى:«جمال» الذي هو جمع: جمل، والعقال: صدقة عام، والسبد: المال القليل، واللّبد: المال الكثير. وأوبادا: هلكى جمع: وبد، فهو يقول: صار عمرو عاملا على الصدقات سنة واحدة، فظلم، وأخذ أموال الناس بغير حق حتى لم يبق لنا إلا شيء قليل من المال، فكيف حالنا، أو كيف يبقى لأحد شيء لو صار عمرو عاملا في زكاة عامين؟! ثم أقسم، فقال: والله لو صار عمرو عاملا على الصدقات لسنتين؛ لصارت القبيلة هلكى، فلا يكون لهم عند التفرق في الحرب جمالان، فيختل أمر الغزوات.
{وَرَبُّ الْمَشارِقِ} أي: ورب المغارب، فاكتفى بذكر الأول عن الثاني؛ لدلالة الكلام عليه.
هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [١١٥]: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} فالمراد بهما ناحيتا الأرض؛ إذ له سبحانه الأرض كلها، لا يختص به مكان دون مكان. وقال تعالى في سورة (الرحمن) رقم [١٧]: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أي: مشرقي الشتاء، والصيف، ومغربيهما. وقال تعالى في سورة (المعارج): {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنّا لَقادِرُونَ} فقد جمع المشرق، والمغرب، كما ترى باعتبار مشارق الشمس، ومغاربها في السنة، وهي ثلاثمئة وخمس وستون كوة في مطلعها، ومثلها في مغربها على عدد أيام السنة الشمسية، تطلع كل يوم في كوّة منها، وتغيب في كوة، لا تطلع، ولا تغرب في تلك الكوة إلا في ذلك اليوم من العام المقبل. قال أمية بن أبي الصلت؛ الذي قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيه:«آمن شعره، وكفر قلبه»: [الطويل] زحل وثور تحت رجل يمينه... والنّسر للأخرى وليث مرصد
والشمس تطلع كلّ آخر ليلة... حمراء يصبح لونها يتورّد
ليست بطالعة لهم في رسلها... إلاّ معذّبة وإلا تجلد
قال عكرمة: فقلت لابن عباس: يا مولاي أتجلد الشمس؟ فقال: إنما اضطره الرّوي إلى الجلد، لكنها تخاف العقاب. انتهى. قرطبي. بقي أن تعرف حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات، كما في هذه الآيات هنا، وفي أوائل (المرسلات) وأوائل (النازعات)، وخذ قول ابن زيابة سلمة بن ذهل، وهو الشاهد رقم (٢٩٦) من كتابنا «فتح القريب المجيب»: [السريع]