للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجزوم ب‍: (لم)، وهو في محل جزم فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، ومتعلقه محذوف انظر الشرح، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَأَرْجُمَنَّكَ:}

اللام: واقعة في جواب القسم. (أرجمنك): مضارع مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد التي هي حرف لا محل له، والفاعل مستتر تقديره: «أنا»، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها، وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه على القاعدة: «إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للسابق منهما» قال ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته: [الرجز]

واحذف لدى اجتماع شرط وقسم... جواب ما أخّرت فهو ملتزم

{وَاهْجُرْنِي:} أمر، وفاعله: أنت، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به. {مَلِيًّا:} ظرف زمان متعلق بما قبله، أو هو حال على تفسير ابن عباس من الفاعل المستتر، والجملة الفعلية معطوفة على جملة جواب القسم لا محل لها، وعطفها الزمخشري على جملة محذوفة، التقدير: فاحذرني، واهجرني، وهذا يعني: أن الفاء هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر. هذا؛ والكلام كله في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها من الإعراب.

{قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)}

الشرح: {قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ} هذا سلام توديع، ومتاركة، ومفارقة، ومقابلة للسيئة بالحسنة؛ أي: لا أصيبك بمكروه، لا أقول لك بعد ذلك ما يؤذيك. وقال النقاش: حليم خاطب سفيها، كما قال تعالى: {وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً} وعلى هذا لا يبدأ الكافر بالسلام، وجوز بعضهم تحية الكافر، وأن يبدأ بها، فقال النخعي: إذا كانت لك حاجة عند يهودي، أو نصراني فأبدأه بالسلام، فظهر بذلك أن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي رواه أبو هريرة-رضي الله عنه-: «لا تبدءوا اليهود والنّصارى بالسّلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق؛ فاضطروهم إلى أضيقه». رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي؛ إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدءوهم بالسلام، من قضاء ذمام، أو حاجة تعرض لكم قبلهم، أو حق صحبة، أو جوار، أو سفر... إلخ.

قال الطبري: وقد روي عن السلف: أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب، وفعل ذلك ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه. قال علقمة، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن أليس يكره أن يبدءوا بالسلام. قال: نعم، ولكن حق الصحبة. وسئل الأوزاعي عن مسلم مرّ بكافر، فسلم عليه، فقال:

إن سلمت فقد سلم الصّالحون قبلك، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك. انتهى قرطبي بتصرف.

هذا؛ وإذا ورد على إنسان كتاب بالتحية، أو نحوها، ينبغي أن يرد الجواب؛ لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر، وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنه كان يرى رد الكتاب واجبا، كما يرى رد السّلام، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>