للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مقاتل-رحمه الله تعالى-: نزلت في عثمان بن مظعون-رضي الله عنه-وذلك: أنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو أذنت لي، فطلقت خولة، وترهبت، واختصيت، وحرمت اللحم، ولا أنام بليل أبدا، ولا أفطر بنهار أبدا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من سنتي النكاح، ولا رهبانية في الإسلام، إنما رهبانيّة أمتي الجهاد في سبيل الله، وخصاء أمتي الصوم، ولا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم. ومن سنّتي: أنام، وأقوم، وأفطر، وأصوم، فمن رغب عن سنّتي، فليس منّي».

فقال عثمان-رضي الله عنه-: والله لوددت يا نبيّ الله أن أعلم أيّ التجارات أحبّ إلى الله، فأتجر فيها؟ فنزلت الاية الكريمة. ما أشبه سبب نزول هذه الاية بسبب نزول قوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [٨٧ و ٨٨]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ..}. إلخ. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} انظر الاية رقم [٢]. {هَلْ:} حرف استفهام، وتشويق، وترغيب. {أَدُلُّكُمْ:} فعل مضارع، والفاعل تقديره: «أنا»، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها. {عَلى تِجارَةٍ:} متعلقان بما قبلهما. {تُنْجِيكُمْ:}

فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى التجارة، تقديره هي، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر صفة {تِجارَةٍ}. {مِنْ عَذابٍ:}

متعلقان بما قبلهما. {أَلِيمٍ:} صفة {عَذابٍ،} وهو بمعنى: مؤلم.

{تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١)}

الشرح: {تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ:} هذا تفسير للتجارة المذكورة في الاية السابقة، وانظر الإيمان في الاية رقم [١٦] من سورة (المجادلة). {وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ:} هذه الجملة من جملة تفسير التجارة. {بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ:} قدم الأموال على النفس لعزتها في ذلك الوقت، أو لأنها قوام النفس، أو لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق، أو لأن المال شقيق الروح، فقد يفرط الإنسان في نفسه دفاعا عن ماله، وهذا معروف ومشهور. والمراد: تجاهدون أعداء الدين بالمال، والنفس؛ لإعلاء كلمة الله.

قال المفسرون: جعل الله الإيمان والجهاد في سبيله تجارة تشبيها لهما بالتجارة، فإنها عبارة عن مبادلة شيء بشيء طمعا في الربح، ومن آمن، وجاهد بماله، ونفسه؛ فقد بذل ما عنده، وما في وسعه؛ لنيل ما عند ربه من جزيل ثوابه، والنجاة من أليم عقابه. فشبه هذا الثواب، والنجاة من العذاب بالتجارة لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الاية رقم [١١١] من سورة (التوبة).

<<  <  ج: ص:  >  >>