للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جار ومجرور متعلقان به، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب‍ «إذا» الفجائية، وخبر المبتدأ الذي هو ({مَنْ}) مختلف فيه. فقيل: جملة الشرط. وقيل: هو جملة الجواب. وقيل: الجملتان. وهو المرجّح لدى المعاصرين، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها، والتي بعدها معطوفة عليها، وإعرابها مثلها بلا فارق بينهما. {وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ:} انظر الآية السابقة، فإعرابها مثلها.

{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اِسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ (١٤٦)}

الشرح: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} أي: وكثير من الأنبياء قاتل معهم جماعات كثيرون، فأصابهم من أعدائهم قروح، وجراحات. {فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ} بل استمروا على جهادهم أعداءهم؛ لأنّ الذي أصابهم إنّما هو في سبيل الله، وطاعته. وإقامة دينه، ونصرة نبيه، فكان ينبغي لكم أن تفعلوا مثل ذلك يا أمة محمد! وحجّة هذه القراءة ما روي عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: أنه قال: ما سمعنا أن نبيّا قتل في القتال، وعلى هذه القراءة فالوقف على {قاتَلَ} جائز. هذا؛ ويقرأ: («قتل») بالبناء للمجهول، ففيه أوجه: أحدها: أن يكون القتل راجعا على النبيّ وحده. والوجه الثاني: أنّ القتل نال النبيّ، ومن معه من الربّيّين، ويكون المراد البعض، فيكون المعنى: وكأين من نبيّ قتل، وبعض من كان معه، فما ضعف الباقون لقتل من قتل من إخوانهم. والوجه الثالث أن يكون القتل نال الربّيّين لا النبيّ. والمعنى: وكأين من نبيّ قتل من كان معه، وعلى دينه من الربّيّين. والقراءة الأولى أقوى.

هذا؛ و (الرّبيّون): قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: جموع كثيرة. وقيل: هم فقهاء علماء. وقيل: هم الأتباع. ويقال: ربّيون بفتح الراء منسوب إلى الرّب. قال الخليل-رحمه الله تعالى-: الرّبّيّ: الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء، وهم الرّبانيّون نسبوا إلى التألّه، والعبادة، ومعرفة الربوبية لله تعالى. وانظر شرح: {رَبّانِيِّينَ} في الآية رقم [٧٩].

{فَما وَهَنُوا:} ضعفوا، وجبنوا. {لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} أي: من القتل، والجراح، وذهاب الأموال في سبيل إعلاء كلمة الله، وإعزاز دينه. {وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا:} خضعوا وذلّوا، وأصله: استكن من السّكون؛ لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده، والألف من إشباع الفتحة. أو أصله: استكون من الكون، فنقلت حركة الواو إلى الكاف؛ لأنّ الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلّة، ثم يقال: قلبت الواو ألفا لتحرّكها بحسب الأصل وانفتاح ما قبلها الآن. {وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ:} انظر المحبّة فيما تقدّم. وانظر «الصّبر» في آخر السّورة، والمراد هنا: الصّابرين في الجهاد، والمعنى: أنّ من صبر على تحمل الشّدائد في طلب

<<  <  ج: ص:  >  >>