للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخرة، ولم يظهر الجزع، والعجز؛ فإنّ الله يحبّه، ومحبّة الله تعالى للعبد عبارة عن إرادة إكرامه، وإعزازه، وإيصال الثواب له، وإدخاله الجنّة مع أوليائه، وأصفيائه.

بعد هذا: ({كَأَيِّنْ}) أصلها «أي» الاستفهامية، دخلت عليها كاف التشبيه، فصارت بمعنى «كم» الخبرية التكثيرية، وهي كناية عن عدد مبهم، مثل: كم، وكذا. وفيها خمس لغات، كلّها قرئ بها: إحداها: ({كَأَيِّنْ}) وهي الأصل، وبها قرأ الجماعة إلا ابن كثير، وقال الشاعر: [الوافر]

وكأيّن من أناس لم يزالوا... أخوهم فوقهم وهمو كرام

والثانية: كائن بوزن كاعن، وبها قرأ ابن كثير، وجماعة، وهي أكثر استعمالا من كأيّن، وإن كانت الأصل، وهو كثير في الشّعر العربي، مثل قول جرير-وهو الشّاهد رقم [٨٨٥]: من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الوافر]

وكائن بالأباطح من صديق... يراني لو أصبت هو المصابا

وأيضا قول زهير-وهو الشاهد رقم [٩٦] من كتابنا: «فتح ربّ البريّة» -: [الطويل]

وكائن ترى من صامت لك معجب... زيادته أو نقصه في التّكلّم

والثالثة: كئين بوزن كريم. والرابعة: كيئن بياء ساكنة، وهمزة مكسورة، والخامسة: كأن بوزن: كفن. هذا؛ والجلال المحلّى اعتبر ({كَأَيِّنْ}) بسيطة غير مركبة، وأنّ آخرها نون من نفس الكلمة لا تنوين؛ لأن هذه الدّعاوى المتقدمة لا يقوم عليها دليل-والشيخ رحمه الله تعالى- سلك في ذلك الطريق الأسهل، والنحويّون ذكروا هذه الأشياء محافظة على أصولهم، مع ما ينضمّ إلى ذلك من الفوائد، وتشحين الذّهن، وتمرينه. انتهى جمل بالإضافة إلى ما أضفته من شواهد شعرية.

الإعراب: {وَكَأَيِّنْ:} الواو: حرف استئناف. ({كَأَيِّنْ}): اسم كناية بمعنى كثير مبني على السّكون في محل رفع مبتدأ، وأجاز السّمين اعتباره مفعولا به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده. {مِنْ:} حرف جر صلة. {نَبِيٍّ:} تمييز ل‍ ({كَأَيِّنْ}) منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. {قاتَلَ:} فعل ماض.

{مَعَهُ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. {رِبِّيُّونَ:} فاعل:

{قاتَلَ،} أو هو نائب فاعل: ({قاتَلَ}) مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ.

هذا؛ وقيل: إنّ فاعل: {قاتَلَ} أو نائب فاعل ({قاتَلَ}) يعود إلى: {نَبِيٍّ} والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، ومعه: ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم. و {رِبِّيُّونَ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية هذه في محل نصب حال من الفاعل المستتر، أو من نائبه. كما قيل:

إن الجملة الفعلية في محل جر صفة: {نَبِيٍّ،} والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>