وقالت طائفة: سمي عتيقا؛ لأنه لم يملك موضعه قط. وقالت فرقة: سمي عتيقا؛ لأن الله عز وجل يعتق فيه رقاب المذنبين من النار. وقيل: سمي عتيقا؛ لأنه أعتق من غرق الطوفان.
هذا؛ والعتيق: الكريم، والعتق: الكرم. قال طرفة يصف أذني فرس: [الطويل]
مؤلّلتان تعرف العتق فيهما... كسامعتي مذعورة وسط ربرب
وعتق الرقيق: خروجه من ذل الرق إلى كرم الحرية، والعتيق: الكريم الأصل، قال الشاعر يهجو غيره: [الوافر]
أما والله أن لو كنت حرّا... وما بالحرّ أنت ولا العتيق
أي ولست بالكريم الأصل. ومن أسماء أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-عتيق؛ أي:
معتوق من النار، وقيل: بيت عتيق من قولهم: عتاق الخيل، والطير، أي: كرامها. والعواتق:
النساء الشريفات اللاتي لم يخرجن من بيوت أهلهن قط. جاء في الحديث الصحيح: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صعد المنبر يوما وقال بصوت رفيع سمعته العواتق في المنازل، فقال: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتّبع عورة أخيه تتّبع الله عورته، ومن تتّبع الله عورته فضحه، ولو في جوف بيته».
الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف. {لْيَقْضُوا:} مضارع مجزوم بلام الأمر، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {تَفَثَهُمْ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية مرتبطة بكلام محذوف؛ أي: ثم بعد حلهم، وخروجهم من الإحرام، وبعد الإتيان بما عليهم من النسك؛ ليزيلوا أو ساخهم وأدرانهم. وما بعدها معطوف عليها، وإعرابها مثلها بلا فارق. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
{ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاِجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠)}
الشرح: {ذلِكَ:} الإشارة إلى ما ذكر في الآيات السابقة. {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ:}
المراد بذلك هنا: أفعال الحج، ومناسكه، ويدخل في ذلك تعظيم الأماكن المقدسة جميعها، ويجمع ذلك أن تقول: الحرمات: امتثال الأمر، والنهي. ومعنى التعظيم: العلم بأنه يجب على الإنسان القيام بمراعاتها، وحفظ حرمتها. {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} أي: التعظيم خير له عند ربه من التهاون بشيء منها. وقيل: ذلك التعظيم خير من خيراته ينتفع به، وليست {خَيْرٌ}