للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-رضي الله عنهما-: قضاء التفث مناسك الحج كلها. وقال قطرب: تفث الرجل: إذا كثر وسخه. قال أمية بن أبي الصلت: [البسيط]

حفّوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثا... ولم يسلّوا لهم قملا وصئبانا

وقال أيضا: [البسيط]

ساخين آباطهم لم يقذفوا تفثا... وينزعوا عنهم قملا وصئبانا

ساخين: تاركين آباطهم؛ أي: لم يزيلوا عنها وسخها. {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ:} أراد به جميع ما ينذره المسلم من حج، وهدي، أمروا بوفاء النذر مطلقا إلا ما كان معصية، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا وفاء لنذر في معصية». وقال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه».

{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ:} أراد به طواف الإفاضة الواجب، ووقته يوم النحر بعد الرمي، والحلق، والطواف ثلاثة أنواع: طواف القدوم، وهو أنّ من قدم مكة يطوف بالبيت سبعا، وهذا الطواف تحية البيت، وهو سنة مؤكدة كتحية غيره من المساجد في الدنيا، وهي ركعتان. عن عائشة-رضي الله عنها-أن أول شيء بدأ به حين قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن توضأ، ثم طاف، ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر، وعمر مثله. متفق عليه. والثاني: طواف الركن، وهو طواف الإفاضة المتقدم. والثالث: طواف الوداع، وهو واجب، لا رخصة لمن أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر في أن يفارقها حتى يطوف بالبيت سبعا، فمن تركه؛ فعليه دم إلا المرأة الحائض، فإنه يجوز لها تركه، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم الناس أن يكون الطّواف آخر عهدهم بالبيت إلاّ أنّه رخّص للمرأة الحائض. متفق عليه..

وفي معنى {الْعَتِيقِ} أقوال كثيرة، فقال مجاهد، والحسن: العتيق: القديم، ويعضده قوله تعالى في سورة (آل عمران): {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ} الآية رقم [٩٦] وفي الحديث الصحيح: أنه أول مسجد وضع في الأرض، وقيل: سمي عتيقا؛ لأن الله أعتقه من أن يتسلط عليه جبار بالهوان إلى انقضاء الزمان. وفي الترمذي عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما سمّي البيت عتيقا؛ لأنّه لم يظهر عليه جبّار». فإن قال قائل: إن الحجاج الفاسق نصب المنجنيق على الكعبة حتى هدم قسما منها، قيل له: إنما أعتقها الله عن جبابرة الكفار؛ لأنهم أتوا بأنفسهم متمردين، ولحرمة البيت غير معتقدين، وقصدوا الكعبة بالسوء، فعصمت منهم، ولم تنلها أيديهم، وأما الحجاج فإنه لم يكن قصده الكعبة، وإنما كان قصده مضايقة عبد الله بن الزبير الذي اعتصم بها، ومع ذلك له عند الله ما يستحق من الخزي، والوبال، والمقت، والنكال.

<<  <  ج: ص:  >  >>