للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)}

الشرح: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}: أمر الله سبحانه المؤمنين بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد طلب التقوى فيما سبق، وإن الله جلت قدرته لو شاء لهزمهم بالكلام، والتفل في وجوههم، وبحفنة من تراب، كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة بدر، ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق، وقضائه النافذ، وكل ما تعده لصديقك من خير، أو لعدوك من شر، فهو داخل في عدتك. انتهى. قرطبي.

ولا يخفى أن عدة الحرب في هذا الزمن تختلف كل الاختلاف عن العدة في الزمن الماضي، فيجب على المسلمين أن يتخذوا العدة التي توائم وتناسب العصر الذي هم فيه، كما يجب عليهم أن يسايروا العصر بما يكون فيه من مخترعات وصناعات، وأنواع الأسلحة المستحدثة، ولكن المسلمين-ويا للأسف-أهملوا ذلك في هذا الزمن حتى صاروا أضحوكة بين الناس، بل وصاروا لقمة سائغة لأعدائهم، وذلك بسبب التفرق، والأنانية وحب الذات، وجلب المنفعة الشخصية حتى صدق على المسلمين في هذا العصر قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». قالوا: أمن قلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: «بل أنتم كثيرون ولكنكم كغثاء السّيل ولينزعنّ الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن». قالوا: وما الوهن؟ قال: «حبّ الدنيا وكراهية الموت». أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما من حديث ثوبان رضي الله عنه، {وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ}: كان هذا في الزمن الماضي قوة تخوف أعداء الله، وكان مفخرة يفخر بها المسلم، قال الشاعر: [الكامل]

أمر الإله بربطها لعدوّه... في الحرب إنّ الله خير موفّق

وقال مكحول بن عبد الله رضي الله عنه: [الطويل]

نلوم على ربط الجياد وحبسها... وأوصى بها الله النّبيّ محمّدا

فعن عروة بن الجعد البارقي-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة». متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده، فإنّ شبعه، وريّه، وروثه، وبوله في ميزانه يوم القيامة». يعني حسنات، رواه البخاري، وقال عليه الصلاة والسّلام:

«كلّ شيء يلهو به الرّجل باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنّه من الحقّ».

<<  <  ج: ص:  >  >>