للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتراقيهما، فجعل المتصدق كلّما تصدّق بصدقة؛ انبسطت عنه حتى تغشى أنامله، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همّ بصدقة قلصت، وأخذت كلّ حلقة بمكانها. قال أبو هريرة-رضي الله عنه-: فأنا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول بإصبعيه هكذا في جيبه، فلو رأيته يوسّعها، ولا تتوسّع؛ أي: لعجبت. انتهى. قرطبي.

{وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ} أي: فتعطي كل ما عندك. {فَتَقْعُدَ مَلُوماً} أي: فقيرا ملوما عند الله وعند الناس بالإسراف، وسوء التدبير. {مَحْسُوراً} أي: منقطعا لا شيء عندك تنفقه. من: حسره السفر: إذا بلغ منه. وقيل: المعنى نادما على ما فرط منك متحسرا.

قال القرطبي: وفيه بعد؛ لأن اسم الفاعل من الحسرة: حسر، وحسران، ولا يقال: محسور.

والله أعلم بمراده. هذا؛ وانظر الآية رقم [٦٧] من سورة (الفرقان) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): ناهية. {تَجْعَلْ:} مضارع مجزوم ب‍:

(لا) الناهية، والفاعل مستتر تقديره: «أنت». {يَدَكَ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة، {مَغْلُولَةً:} مفعول به ثان. {إِلى عُنُقِكَ:} متعلقان ب‍: {مَغْلُولَةً،} والكاف في محل جر بالإضافة، وجملة: {وَلا تَجْعَلْ..}. إلخ معطوفة على جملة: {فَقُلْ لَهُمْ..}. إلخ، أو هي مستأنفة، لا محل لها. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): ناهية. {تَبْسُطْها:} مضارع مجزوم ب‍: (لا) الناهية، والفاعل: أنت، و (ها): مفعول به، {كُلَّ:} نائب مفعول مطلق، و {كُلَّ:} مضاف، و {الْبَسْطِ} مضاف إليه، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {فَتَقْعُدَ:} الفاء: الفاء السببية. (تقعد):

مضارع منصوب ب‍: «أن» مضمرة بعد الفاء، وفاعله مستتر فيه. {مَلُوماً:} حال من الفاعل المستتر، وإن اعتبرت الفعل ناقصا بمعنى: تصير، فالمستتر اسمه و {مَلُوماً} خبره. {مَحْسُوراً:} حال ثانية، أو خبر ثان، و «أن» المضمرة، والمضارع في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الفعل السابق، التقدير: لا يكن منك بسط ليدك فقعود ملوما محسورا. تأمل، وتدبر.

{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠)}

الشرح: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ:} يوسع الرزق لمن يشاء الله التوسيع عليه، {وَيَقْدِرُ:} يضيق الرزق، ويقلله على من يشاء من عباده. {إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} أي: ذو خبرة بعباده، ومن الذي يصلحه التوسيع في الرزق، ومن يفسده ذلك، ومن الذي يصلحه الضيق، والإقتار في الرزق، ومن الذي يهلكه ذلك. {بَصِيراً:} هو ذو بصر، ومعرفة بتدبير عباده، وسياستهم، فمن العباد من لا يصلح له إلا الغنى، ولو أفقره؛ لفسد، ومنهم من لا يصلح له إلا الفقر، ولو أغناه، لفسد.

هذا؛ وفي الآية الكريمة استعارة تمثيلية لمنع الشحيح وإعطاء المبذر، فقد شبه حال البخيل في امتناعه من الإنفاق بحال من يده مغلولة إلى عنقه، فهو لا يقدر على التصرف في شيء، وشبه

<<  <  ج: ص:  >  >>