لدلالة جواب القسم عليه، على القاعدة:«إذا اجتمع شرط، وقسم فالجواب للسّابق منهما». قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز]
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم... جواب ما أخّرت فهو ملتزم
والقسم، وجوابه كلام مستأنف، لا محلّ له. هذا؛ مع ملاحظة: أنّ اللام الموطئة للقسم محذوفة، وقد روعي حكمها؛ إذ التقدير: ولئن لم ينتهوا، كما صرّح به في قوله تعالى في سورة (الحشر): {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ..}. إلخ. ونظير هذه الآية قوله تعالى:{وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} الآية رقم [١٢١] من سورة (الأنعام).
الشرح:{أَفَلا يَتُوبُونَ..}. إلخ؛ أي: أفلا يرجعون إلى الله بالانتهاء عن تلك العقائد الزائفة، والأقوال الكاذبة في حقّ عيسى، وأمّه، عليهما السّلام. وهذا من كرم الله تعالى، وجوده، ولطفه، ورحمته بخلقه مع هذا الذّنب العظيم. وهذا الافتراء، والإفك يدعوهم إلى التوبة، والمغفرة، فكلّ من تاب إليه؛ تاب عليه. {وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} أي: بالتوحيد، والتنزيه عن الاتحاد، والحلول بعد ما تقدّم من التهديد، والوعيد. {وَاللهُ غَفُورٌ:} لهم إن تابوا إلى الله، وأنابوا. {رَحِيمٌ:} بهم، والإسلام يجبّ ما قبله، وانظر:{أَفَلا} في الآية رقم [٨٢] من سورة (النّساء).
هذا؛ والفعل: استغفر، ويستغفر: السّين، والتاء فيهما للطّلب، والفعل يتعدّى لاثنين، أولهما بنفسه، والثاني بحرف الجر، نحو: استغفرت الله من ذنبي، قال تعالى في سورة (التوبة) رقم [٨٠]: {اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} فالمفعول الصّريح للأفعال الأربعة محذوف، وقد يحذف حرف الجر، فيصل الفعل إلى الثاني بنفسه، كقول الشاعر-وهو الشّاهد رقم [٤٨٦] من كتابنا: «فتح رب البريّة» -: [البسيط]
أستغفر الله ذنبا لست محصيه... ربّ العباد إليه الوجه والعمل
ومثل «استغفر»: اختار، وكنى، وسمع، ودعا، وصدّق، وزوّج، وكال، ووزن، وأمر. قال عمرو بن معدي كرب الزبيدي-وهو الشاهد رقم [٤٨٥] من كتابنا: «فتح رب البرية»، والشاهد رقم [٥٩٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [البسيط]
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
الإعراب:{أَفَلا:} الهمزة: حرف استفهام، وإنكار. الفاء: حرف استئناف، وقال الجمل:
الفاء للعطف على مقدّر، يقتضيه المقام، أي: ألا ينتهون عن تلك العقائد، فلا يتوبون.