{الْحَقُّ} مبتدأ، وخبره محذوفا؛ أي: الحقّ من ربك يعرفونه، فيكون الجار والمجرور متعلقين بمحذوف حال من: {الْحَقُّ} وهو ضعيف كما ذكرته فيما مضى. هذا؛ وقرئ بنصب («الحقّ»)، وخرج على وجوه: على أنّه منصوب ب {يَعْلَمُونَ،} أو على تقدير: الزم الحق، أو على اعتباره بدلا من سابقه. {فَلا:} الفاء: هي الفصيحة. (لا): ناهية. {تَكُونَنَّ:} فعل مضارع ناقص مبني على الفتح في محل جزم بلا الناهية، والنون حرف لا محل له، اسمه ضمير مستتر تقديره:
أنت. {مِنَ الْمُمْتَرِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر: {تَكُونَنَّ:} والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب الشرط المحذوف المقدر ب «إذا»، والشرط المقدر، ومدخوله كلام مستأنف لا محل له فيما يظهر.
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)}
الشرح: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ:} أي: لكلّ فريق من المسلمين، واليهود، والنصارى. وجهته.
والقياس: جهة، مثل: زنة، وعدة، وقد جاء على الأصل المتروك في عدة، وزنة. هذا؛ وقيل:
سلمت الواو في {وِجْهَةٌ} للفرق بين عدة، وزنة؛ لأنّ «جهة» ظرف، وتلك مصادر، ومعنى {وِجْهَةٌ:} قبلة يتّجه إليها في صلاته، فقبلة المسلمين الكعبة، وقبلة اليهود بيت المقدس، وقبلة النّصارى مشرق الشمس. {هُوَ:} في هذا الضمير وجهان: أحدهما هو ضمير اسم الله، والثّاني: هو ضمير (كلّ) فعلى الأولى المعنى: الله موجّه من يشاء إلى الجهة التي يشاؤها، وعلى الثاني المعنى: صاحب القبلة مولّيها نفسه.
{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ} أي: سارعوا، وبادروا، وتنافسوا في الخيرات، وهي الطّاعات. قال تعالى: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ..}. إلخ، وقال جلّ ذكره: {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ..}.
إلخ، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً}.
{أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً:} أي: يجمعكم يوم القيامة للحساب، والجزاء، فيجازيكم بأعمالكم، والله قادر مقتدر، لا يعجزه شيء. هذا؛ والرسول صلّى الله عليه وسلّم حثنا كذلك على المسابقة في الأعمال الصالحات، والمسابقة إلى الخيرات قبل فوات الأوان، وضياع الفرص، فقال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع اللّيل المظلم، يصبح الرّجل مؤمنا، ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا». أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فالله ورسوله لم يحثّا العباد على جمع الدّنيا، والركض فيها، والتّفاني في جمع حطامها الفاني، بل حثّا على المسابقة على الطّاعات، والمسارعة إلى الأعمال الصّالحات.