{يَقُولَ} وليست الفاء للسببية؛ لأن لفظ {كُنْ} أمر، ومعناه الخبر عن قدرة الله تعالى؛ إذ ليس ثمّ مأمور بأن يفعل شيئا. أفاده مكي بن أبي طالب القيسي. والجملة الاسمية:{إِنَّما أَمْرُهُ..}.
إلخ ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين.
الشرح:{فَسُبْحانَ الَّذِي..}. إلخ: تنزيه له سبحانه وتعالى عما وصفوه به، وتعجيب مما قالوا في شأنه؛ وهو الحي القيوم؛ الذي بيده مقاليد السموات، والأرض، وإليه ترجع العباد يوم المعاد، فيجازي كل عامل بعمله، وهو العادل المنعم المتفضل. ومعنى هذه الآية مثل قوله تعالى:{تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} إلخ، فالملك، والملكوت واحد في المعنى، كرحمة، ورحموت، ورهبة، ورهبوت. ومن الناس من يقول: إن الملك هو عالم الأجساد، والملكوت هو عالم الأرواح. والصحيح الأول، وهو الذي عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم.
روى الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان-رضي الله عنه-قال: قمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فقرأ السبع الطوال في ركعات، وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا رفع رأسه من الركوع، قال:«سمع الله لمن حمده، ثم قال: الحمد لله ذي الملكوت، والجبروت، والكبرياء، والعظمة». وكان ركوعه مثل قيامه، وسجوده مثل ركوعه، فانصرف، وقد كادت تنكسر رجلاي. أخرجه أحمد، ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بنحوه.
وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، قال: قمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فقام، فقرأ سورة (البقرة) لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف، وسأل، ولا يمرّ بآية عذاب، إلا وقف، وتعوّذ.
قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه:«سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة». ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام، فقرأ ب:(آل عمران) ثم قرأ سورة. أخرجه أبو داود في سننه، والترمذي في الشمائل، والنسائي عن عوف بن مالك الأشجعي، رضي الله عنه. انتهى. مختصر ابن كثير.
أقول فحوى ما تقدم يفيد: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يطيل القيام في صلاة التهجد، وقد روي بالنص: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ سورة (البقرة) في الركعة الأولى، و (آل عمران) في الثانية، و (النساء) في الثالثة، و (المائدة) في الرابعة، وكان ركوعه صلّى الله عليه وسلّم، بمقدار خمسين آية، وسجوده بمقدار مائة آية، وحديث عائشة رضي الله عنها يوضح هذا، قالت-رضي الله عنها، وعن أبويها، وهي الخبيرة بتهجده صلّى الله عليه وسلّم-: «كان يقوم من الليل حتّى تتفطّر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا؛ وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك، وما تأخّر؟! قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟». رواه البخاري ومسلم.