للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمّة، وللابتلاء. أو عطف على قوله في الآية السابقة: {لِكَيْلا تَحْزَنُوا..}. إلخ. وقدّر القرطبيّ-رحمه الله تعالى-ما يلي: فرض الله عليكم القتال، والحرب، ولم ينصركم يوم أحد؛ ليختبر صبركم، وليمحّص عنكم سيئاتكم؛ إن تبتم، وأخلصتم. {وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ:}

إعرابه مثل إعراب ما قبله.

{وَاللهُ:} الواو: حرف استئناف. ({اللهُ}): مبتدأ. {عَلِيمٌ:} خبره، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {بِذاتِ:} متعلقان ب‍ {عَلِيمٌ} و (ذات) مضاف، و {الصُّدُورِ} مضاف إليه.

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ اِلْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)}

الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا} أي: انهزموا، وهربوا منكم يا معشر المسلمين من ساحة الحرب. فهو خطاب لمن كان مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المؤمنين يوم أحد، وكان قد انهزم أكثر المسلمين، ولم يبق مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلا أربعة عشر رجلا: سبعة من الأنصار، وسبعة من المهاجرين: أبو بكر، وعمر، وعليّ، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص-رضي الله عنهم أجمعين-. {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} أي: الجيشان.

{إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ} أي: طلب زلّتهم، كما يقال: استعجله، أي: طلب عجلته. أو المعنى: دعاهم إلى الزلّة، وحملهم عليها بإلقاء الوسوسة في قلوبهم. {بِبَعْضِ ما كَسَبُوا} أي:

بمعصيتهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فالإضافة إلى الشّيطان لطف، وتقريب، والتعليل بكسبهم وعظ، وتأديب، وانظر قوله تعالى في سورة (البقرة): {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها}.

{وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ} أي: تجاوز الله، وصفح عن الّذين هربوا يوم أحد، فلم يعاقبهم بذلك، وغفر لهم، مع أنّ الهرب من ساحة الحرب من الموبقات السّبع كما ذكرته سابقا. {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} غفور لمن تاب، وأناب، حليم: لا يعجّل بالعقوبة على من عصاه. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٦٣] من سورة (البقرة).

هذا؛ والعفو بمعنى ما ذكر كثير في القرآن الكريم كثرة لا تعدّ، ولا تحصى، كما يأتي ({عَفَا}) بمعنى الكثرة، قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٩٥]: {ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا..}. إلخ؛ أي: حتى كثروا، ونموا في أنفسهم، وأموالهم، من قولهم: عفا النبات، وعفا الشّحم، والوبر: إذا كثر. قال الحطيئة: [الطويل]

بمستأسد الغربان عاف نباته

وعفا المنزل، يعفو عفاء،: إذا انمحت آثاره، ومعالمه ذهبت. قال الأخطل التّغلبي، وهو الشاهد رقم [٤٩٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>