للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كُلُوا وَاِشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)}

الشرح: {كُلُوا وَاشْرَبُوا..}. إلخ، وقال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٤٣]: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ،} وقال جل ذكره في سورة (الزخرف) رقم [٧٢]: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ،} وقال تعالى في سورة (السجدة) رقم [١٩]: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي: بسبب أعمالهم، وليس المراد السبب الحقيقي؛ حتى يخالف نص الحديث الشريف، وفحوى هذا: أن نص الايات جميعا يفيد أن دخول الجنة مسبب عن الأعمال الصالحة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لن يدخل أحدا عمله الجنة». قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: «لا، ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله بفضله، ورحمته! فسدّدوا وقاربوا». أخرجه البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه-.

والجمع بين هذه الايات والحديث الشريف بأن مجمل الايات على أن منازل الجنة إنما تنال بالأعمال؛ لأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، وأن محمل الحديث الشريف على أصل دخول الجنة. فإن قيل: آية السجدة صريحة في أن دخول الجنة أيضا بالأعمال، أجيب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث الشريف، والتقدير: ادخلوا منازل الجنة، وقصورها بما كنتم تعملون، وليس المراد أصل الدخول، أو المراد ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله، وتفضله عليكم؛ لأن اقتسام منازل الجنة برحمته، وكذا أصل دخولها، حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك، ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته، وفضله، لا إله إلا هو له الملك وله الحمد. انتهى. حاشية الشنواني على مختصر ابن أبي جمرة.

ومعنى {هَنِيئاً:} لا كدر، ولا تنغيص فيه. وقيل: مأمون العاقبة من التخمة، والسقم. وقيل:

لا أذية فيه، ولا غائلة. وفي سورة (الحاقة): {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ}. {مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ:} جمع: سرير. {مَصْفُوفَةٍ:} موضوعة بعضها إلى بعض؛ حتى تصير صفا. وفي الأخبار:

أنها تصف في السماء بطول كذا، وكذا، فإن أراد المؤمن أن يجلس عليها تواضعت له، فإذا جلس عليها عادت إلى حالها. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هي سرر من ذهب مكللة بالزبرجد، والدر والياقوت. {وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} أي: قرناهم بهنّ. قال يونس بن حبيب: تقول العرب:

زوجته امرأة، وتزوجت امرأة، وليس من كلام العرب: تزوجت بامرأة. قال: وقول الله عز وجل {وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} أي: قرناهم بهن. وقال الفراء: تزوجت بامرأة لغة في أزد شنوءة.

بعد هذا خذ ما يلي: عن زيد بن أرقم-رضي الله عنه-، قال: جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا أبا القاسم! تزعم: أن أهل الجنة يأكلون، ويشربون! قال: «نعم والّذي

<<  <  ج: ص:  >  >>