ونيرة، قلبت الواو فيهما ياء لانكسار ما قبلها، ويكنى بها عن جهنم التي سيعذب بها الكافرين، والفاسقين، والمجرمين، كما أنها تستعار للشدة، والضيق، والبلاء، قال الشاعر: [الطويل]
وألقى على قيس من النار جذوة... شديدا عليها حرّها والتهابها
فهي مستعارة في هذا البيت لشدة النكاية؛ التي أذاقها قبيلة قيس، والفعل: نار، ينور يستعمل لازما، ومتعديا إذا بدئ بهمزة التعدية، كما في قولك: أنارت الشمس الكون. {فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً} أي: تنصرهم، وتمنعهم من العذاب الذي نزل بهم، فهو تعريض لهم باتخاذهم آلهة من دون الله لا تقدر على نصرهم، قال تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٤٣]:
{أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا}.
الإعراب: {مِمّا:} (من): حرف جر، و (ما) صلة. {خَطِيئاتِهِمْ:} اسم مجرور ب: (من)، والجار والمجرور متعلقان بما بعدهما. {أُغْرِقُوا:} فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم، الواو نائب فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها، لا محل لها مثلها. {ناراً:} مفعول به ثان، والمفعول الأول واو الجماعة؛ التي هي نائب فاعل. {فَلَمْ:} الفاء: حرف عطف. (لم): حرف نفي وقلب وجزم. {يَجِدُوا:} فعل مضارع مجزوم ب: (لم)، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما وهما في محل نصب مفعوله الثاني.
{مِنْ دُونِ:} متعلقان بمحذوف حال من {أَنْصاراً،} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا، وبعضهم يعتبرهما مفعولا ثانيا، تقدم على الأول و {دُونِ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه.
{أَنْصاراً:} مفعول به، والجملة: {فَلَمْ يَجِدُوا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها.
{وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً (٢٦)}
الشرح: توجه نوح-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-بهذا الدعاء حينما أيس من إيمان قومه بإعلام الله له: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ} رقم [٣٦] من سورة (هود) عليه السّلام، فأجاب الله دعوته، وأغرق أمته. وقيل: سبب دعائه: أن رجلا من قومه حمل ولدا صغيرا على كتفه فمر به على نوح، فقال: احذر هذا فإنه يضلك، فقال: يا أبت أنزلني! فأنزله، فرماه فشجه، فحينئذ غضب، فدعا عليهم. وقال محمد بن كعب، ومقاتل، والربيع، وعطية، وابن زيد:
إنما قال هذا حينما أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم، وأرحام نسائهم، وأعقم أرحام النساء، وأصلاب الرجال قبل العذاب بسبعين سنة. قال قتادة: ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب.
قال ابن العربي: دعا نوح على قومه أجمعين، ودعا النبي صلّى الله عليه وسلّم على من تحزب على المؤمنين، وألّب عليهم، وكان هذا أصلا في الدعاء على الكافرين في الجملة، فأما كافر معين