على الاختصاص للتهويل. وبه قال القرطبي. {لِلْبَشَرِ:} متعلقان ب: {لَوّاحَةٌ}. {عَلَيْها:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {تِسْعَةَ عَشَرَ:} جزءان عدديان مبنيان على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر. هذا؛ وقد حذف تمييز العدد، كما حذف تمييز العدد في الآيتين رقم [٦٥] و [٦٦] من سورة (الأنفال)، والجملة الاسمية يجوز فيها ما جاز بالجملتين الفعليتين:{لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ}.
الشرح:{وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ:} خزنتها. {إِلاّ مَلائِكَةً} أي: لم نجعلهم رجالا من جنسكم تقدرون على مقاومتهم كما تدعون. وقيل: جعلهم الله ملائكة؛ لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن، والإنس، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة، والرقة، ولا يستروحون إليهم، ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله، وبالغضب له، فتؤمن هوادتهم مع الكافرين، ولأنهم أشد خلق الله بأسا وأقواهم بطشا، فقوتهم أعظم من قوة الإنس، والجن، ولذلك جعل رسول البشر من جنسهم ليكون له رأفة ورحمة بهم. وهنا يرد سؤال، وهو: أنّه ثبت في الأخبار: أنّ الملائكة مخلوقون من النور؛ فكيف تطيق المكث في النار؟! أجيب بأن الله تعالى قادر على كل الممكنات، فكما لا استبعاد في أنه يبقى أهل النار في مثل ذلك العذاب الشديد أبد الآباد، ولا يموتون، فكذا لا استبعاد في إبقاء الملائكة هناك من غير ألم.
{وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ} أي: تسعة عشر. {إِلاّ فِتْنَةً:} اختبارا، وامتحانا للناس، ولا سيما الكفار منهم؛ لأن حال هذه العدة الناقصة واحدا من عقد العشرين أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله، وبحكمته، ويعترض، ويستهزئ، ولا يذعن إذعان المؤمن، وإن خفي عليه وجه الحكمة. وفي البيضاوي: وما جعلنا عددهم إلا العدد الذي اقتضى فتنتهم، وهو التسعة عشر، فعبر بالأثر، وهو الفتنة عن المؤثر، وهو خصوص التسعة عشر، تنبيها على أنه لا ينفك عنه، وافتتانهم به، استقلالهم له، واستهزاؤهم، واستبعادهم أن يتولى هذا العدد القليل أكثر الثقلين. انتهى.
{لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} أي: ليوقن، ويتأكد الذين أعطوا التوراة، والإنجيل: أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم. {وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً} يعني: من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن ذلك العدد كان موجودا في كتابهم، وأخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم على وفق ما عندهم من غير سابقة دراسة، وتعلم علم، إنما حصل له ذلك بالوحي السماوي، فازدادوا بذلك إيمانا، وتصديقا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبرسالته.