{وَلا يَرْتابَ} أي: ولا يشك. {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ} أي: في عددهم. وإنما قال:{وَلا يَرْتابَ،} وإن كان الاستيقان يدل على نفي الارتياب، ليجمع لهم بين إثبات اليقين، ونفي الشك، وذلك أبلغ، وآكد؛ لأن فيه تعريضا بحال غيرهم، كأنه قال: وليخالف حالهم حال الناس المرتابين من أهل الكفر والنفاق.
{وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ:} المراد بمرض شك ونفاق، و {وَالْكافِرُونَ} أهل مكة، والمرض حقيقة فيما يعرض للبدن، فيخرجه عن الاعتدال اللائق به، ويوجب الخلل في أفعاله، وقد يؤدي إلى الموت، واستعير هنا لما في قلوب المنافقين من الجهل، وفساد العقيدة.
قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: لم يكن بمكة نفاق، فكيف قال: وليقول الذين في قلوبهم مرض، وهم المنافقون؛ وهذه السورة مكية؟! قلت: لأنه كان في علم الله تعالى أن النفاق سيحدث، فأخبره الله عما سيكون، وهو كسائر الإخبار بالغيوب، فعلى هذا تصير الآية معجزة للنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه إخبار عن غيب سيقع، وقد وقع على وفق الخبر. وقيل: يحتمل أن يراد بالذين في قلوبهم مرض أهل مكة؛ لأن فيهم من هو شاك، وفيهم من هو قاطع بالكذب. انتهى.
{ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً:} يعني أي شيء أراد الله بهذا المثل العجيب، وإنما سمّوه مثلا؛ لأنه استعارة من المثل المضروب؛ لأنه مما غرب من الكلام، وبدع استغرابا منهم لهذا العدد، واستبعادا له، والمعنى: أي غرض قصد في جعل الملائكة تسعة عشر، لا عشرين، ومرادهم بذلك إنكار هذا من أصله، وإنه ليس من عند الله، فلهذا سمّوه مثلا.
{كَذلِكَ} أي: مثل إضلال منكر هذا العدد، وهدي مصدقه والمؤمن به. {يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ:} إضلاله، وخزيه. {وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ:} هدايته، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، والبراهين الساطعة {لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ}. ولا تنس الالتفات من الغيبة إلى الخطاب. وانظر الالتفات في سورة (الملك) رقم [٢٠]. {وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ} أي: ما يعلم عدد الملائكة وكثرتهم إلا هو جل شأنه، وتعالت حكمته، لئلا يتوهم متوهم: أنهم تسعة عشر فقط، وقد ثبت في حديث الإسراء، والمعراج في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة:
«فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يطوفون به إذا خرجوا لم يعودوا إليه، آخر ما عليهم».
هذا معنى حديث صحيح مخرج في الصحيحين.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر-رضي الله عنه-. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء، وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم؛ لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولا تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى». فقال أبو ذر-رضي الله عنه-: والله لوددت أني شجرة تعضد! أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب.