للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وعلى تفسير (الوسيلة) بطاعة الله، وما يرضيه، وترك السّيّئات، فيكون في الكلام استعارة، وهناك من يتوسّل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وبالصّالحين في طلب حاجاته من الله تعالى، ولا بأس به إن كان المتوسّل من الصّالحين، فيضم إلى توسّله بصلاحه توسّله بالنبيّ العظيم، والأولياء المقرّبين، وأمّا إن كان المتوسّل من الفاسدين المفسدين؛ فلا ينفعه توسّله بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو غيره.

{وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} أي: حاربوا أعداء الله بالسّنان، واللّسان، كما قال تعالى في سورة (التوبة) وفي سورة (التحريم): {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ..}. إلخ.

و «سبيل الله» دينه الّذي ارتضاه للناس أجمعين، وانظر الآية رقم [١٦].

{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ:} تسعدون بالخلود في جنّته؛ لأنّ الفلاح اسم جامع للخلاص من كلّ مكروه، والفوز بكل محبوب، وأصل الفعل: تؤفلحون، حذفت منه الهمزة لثقلها، وانظر مثل هذا الترجّي في الآية رقم [٦].

الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ:} انظر إعراب مثل هذه الكلمات في الآية رقم [١]. {وَابْتَغُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها، الأولى بالابتداء، والثانية بالإتباع. {إِلَيْهِ:}

جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، ويجوز تعليقهما ب‍: {الْوَسِيلَةَ} بعدهما؛ لأنّها بمعنى المتوسّل به، أو بمحذوف حال من: {الْوَسِيلَةَ} أي: الوسيلة كائنة إليه، وهذه الحال كانت صفة ل‍: {الْوَسِيلَةَ} فلما قدمت عليها؛ صارت حالا، وجملة: {وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها أيضا. {لَعَلَّكُمْ:} حرف مشبّه بالفعل، والكاف اسمه.

{تُفْلِحُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر:

(لعلّ)، والجملة الاسمية تعليل للأمر لا محلّ لها، وبعضهم يعتبرها في محل نصب حال، التقدير: حالة كونكم راجين الفلاح، ويمنع من الحال كون الجملة إنشائية؛ لأنّ التّرجي إنشاء.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦)}

الشرح: المعنى: إنّ الكافر لو ملك الدنيا، ودنيا أخرى مثلها معها، ثمّ فدا نفسه من العذاب يوم القيامة؛ لم يقبل منه ذلك الفداء. {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}. المقصود من هذا؛ أنّ العذاب لازم للكفّار، وأنّه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه بوجه من الوجوه. وملكه الدنيا على سبيل الفرض، والتّقدي. وأنّى له الملك؟! وخذ ما يلي:

عن أنس-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله عزّ وجلّ لأهون أهل النّار عذابا يوم القيامة: لو كانت لك الدّنيا كلّها؛ ألست مفتديا بها؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك

<<  <  ج: ص:  >  >>