الشرح:{قالَ} أي: شعيب، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. {رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ} أي: من نقصان الكيل، والوزن، وبعذابه المنزل عليكم، ومما أوجبه لكم عليه في وقته المقدر له لا محالة، فإنه نازل بكم. فهو تهديد، ووعيد، وهو يفيد أيضا: إنما عليّ البلاغ، وليس إليّ العذاب الذي سألتموه. {فَكَذَّبُوهُ} أي: استمروا على كفرهم، وعنادهم وأعمالهم الخبيثة.
{فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أصابهم حرّ شديد، فأرسل الله سبحانه وتعالى سحابة فهربوا إليها ليستظلوا بها، فلما صاروا تحتها؛ صيح بهم، فهلكوا. وقيل: إن الله حبس عنهم الريح سبعة أيام، وسلّط عليهم الحر حتى أخذ بأنفاسهم، ولم ينفعهم ظلّ، ولا ماء، فكانوا يدخلون تحت الأسراب، ليتبردوا فيها، فيجدوها أشد حرا من الظاهر، فهربوا إلى البرية، فأظلتهم سحابة، وهي الظلة، فوجدوا لها بردا، ونسيما، فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا. وقال يزيد الجريريّ: سلّط الله عليهم الحر سبعة أيام، ولياليهن، ثم رفع لهم جبل من بعيد، فأتاه رجل، فإذا تحته أنهار، وعيون، وشجر، وماء بارد، فاجتمعوا كلهم تحته، فوقع عليهم الجبل، وهو الظّلة، وقيل: غير ذلك. انتهى. قرطبي.
وقال قتادة: بعث الله شعيبا إلى أمتين: أصحاب مدين، وأصحاب الأيكة، فأهلك الله أصحاب الأيكة بالظلّة، وأما أصحاب مدين فصاح بهم جبريل عليه السّلام صيحة، فهلكوا. انتهى.
أقول: وقد ذكر الله قصة شعيب مع أهل مدين بالتفصيل في سورة (الأعراف) وسورة (هود) وأما قصة أهل الأيكة فأشار في سورة (الحجر) إليها إشارة وباختصار، وقد فصلها سبحانه وتعالى في هذه السورة كما ترى، والأمّتان: أصحاب مدين، وأصحاب الأيكة، كانت فعلتهم السيئة هي بخس الكيل، والميزان مقرونة بالكفر بالله، وعدم توحيده، وعبادته. قيل: آمن بشعيب من الأمتين تسعمئة نفر.
الإعراب:{قالَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى شعيب تقديره:«هو». {رَبِّي:} مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {أَعْلَمُ:} خبر المبتدأ، وهو بمعنى عالم. {بِما:} جار ومجرور متعلقان ب: {أَعْلَمُ،} وفاعله مستتر فيه، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء تعملونه، وعلى اعتبار (ما) مصدرية